لازم أتكلم
لم يكن مفاجئا للعالم ولكل حضور الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويرك قبل أيام انحياز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لليهود الصهاينة؛ فهو الراعى الرسمى لدولة البلطجة والإبادة الجماعية فى غزة، والحليف الأول لنتنياهو مجرم الحرب والمطلوب لـ«العدل الدولية».
ولكن المفاجأة الكبرى هى انقلابه على بريطانيا، وتهكمه على عمدة لندن، وعلى منظمة الأمم المتحدة، والسبب طبعا معروف وهو اعتراف إنجلترا (صاحبة وعد بلفور منشىئ الوجود الصهيونى فى فلسطين) بالدولة الفلسطينية، لتنضم هى وفرنسا وكندا وأغلبية المنظمة الدولية وجمعيتها العامة إلى نصرة أهل غزة، والوقوف بجرأة فى وجه «نتنياهو» الصديق المدلل لترامب، الذى لا يدخر وسعًا فى إصدار أوامره باستخدام حق الفيتو فى مجلس الأمن ضد أى قرار يدين دولة الاحتلال ويقر بقيام دولة فلسطينية.
هذا البرتقالى الموتور سمسار الحروب، بدأ كلمته فى مؤتمر نيويورك بهجوم لاذع على المنظمة، متهما إياها بأنها «لا تسهم فى بناء السلام» (تخيلوا.؟!)، وإنه فريد عصره، يعمل وحده من أجل استقرار العالم، ونجح فى إنهاء سبعة حروب ويستحق جائزة نوبل للسلام؟! وإنه قدم خطة لإنهاء حرب غزة وإعادة الرهائن، أبلغ بها نتنياهو، سيتم الاعلان عنها قريبا (سبحان الله.. مظلوم الرجل).
قال الكذاب الأشر «تتمتع الأمم المتحدة بقدرات هائلة، لكنها لا ترقى إلى المستوى المطلوب»، إنها مجرد كلمات فارغة لا تحل الحروب». وأشار إلى جهاز الأوتوكى و(التلقين الذاتى) وسخر بلهجة صاحب العزبة وملك العالم والإمبراطور الأكبر» كل ما أخذناه منها تليفونتر سيئ وسلم كهربائى اسوأ».
ومضى يتبجح دون أن يقدم أى إدانة لذبح وقتل وإبادة أهل غزة، ولم يشر إلى رغبة العالم فى حل الدولتين، وإعادة الحقوق والأراضى المغتصبة للشعب الفلسطينى، زاعما أن قرارات بعض حلفاء واشنطن تشكل «مكافأة على فظائع حماس، بما فيها هجوم السابع من أكتوبر»، وأصر على مطلب تل أبيب «إطلاق سراح جميع المحتجزين فى غزة دفعة واحدة».
ومن فوق منبر الجمعية العامة للامم المتحدة (173 دولة)، قال العنصرى الذى يكره كل ما هو إسلامى «لندن تغيرت تماما، وقريبا سنسمع عن تطبيق الشريعة الإسلامية بها بسبب عمدتها الفظيع»، متجاهلا مشاعر حضور 53 دولة عربية وإسلامية.
وتخيلوا معى لو كان رئيس أو أي حاكم عربي أو إسلامي هو من قال تلك العبارة أمام كل هذا الجمع، لكان ترامب مدعى الديموقراطية والعدالة والسلام أول من اتهم هذا الرئيس العربى بالعنصرية ومعاداة السامية. ولكن أراد الله أن يكشف للعالم الوجه الآخر والقبيح لمثل هذا المشتاق لجائزة نوبل، ولحقيقة الصراع والحرب الدينية الصليبية التى يقودها ترامب ونتنياهو ضد العرب والمسلمين.
وإن كانت كل هذه الاتهامات لم تحرك القادة العرب والمسلمين خلال كلمة ترامب، إلا أن وفودا من شتى أنحاء العالم، لقنت صديقه نتنياهو درسا لن ينساه، عندما سارعت بالانسحاب الجماعى بمجرد أن تقدم لإلقاء كلمته؛ وبدا (النتن) كأنه يخاطب نفسه، عله وداعمه الأكبر يستفيقان ويستجيبان لنداءات ومطالب وصرخات المجتمع الدولى.
إن لقاءات نيويورك، التى نظمها ترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، بهدف تجميل صورته وإزالة آثار التشويه التى تعانى منها الإدارة الأمريكية بعد قصف إسرائيل للدوحة، فشلت من وجهة نظرى فى إيجاد أى تعاطف مع أمريكا وحلفائها، نجحت فى زيادة إحكام العزلة السياسية للمجرم نتنياهو، وأبلغت الرئيس المغرور أن فلسطين باقية، وأن ريفيرا غزة لا يمكن أن تقام على أشلاء وجثث الأطفال والنساء والعجائز، وانه لا مفر من حل الدولتين، وأن حرب الإبادة ستذهب إلى مزبلة التاريخ، وستبقى علامة فارقة فى تاريخ مراحل صمود الشعب الفلسطينى، وقيام الدولة الحرة وعاصمتها القدس الشريف.