وزير الاتصالات: مصر قبلة الاستثمارات الرقمية العالمية

14 مصنعاً للهواتف المحمولة يخططون لإنتاج 9 ملايين وحدة وتصديرها
فى عالم تتسارع فيه التحولات الرقمية، وتتنافس الدول على جذب الاستثمارات فى مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تقف مصر اليوم كواحدة من أبرز الوجهات الإقليمية التى تمكنت من فرض حضورها على خريطة صناعة التعهيد العالمية، هذه المكانة لم تأت من فراغ، بل كانت نتيجة جهود مستمرة واستراتيجيات مدروسة ساهمت فى بناء قطاع قادر على المنافسة، وهو ما أكده الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال الاحتفالية السنوية لجمعية «اتصال»، التى شهدت حضوراً واسعاً من قيادات القطاع الحاليين والسابقين.
كشف الوزير فى كلمته عن إنجازات غير مسبوقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إذ ارتفعت صادرات خدمات التعهيد بنسبة 80% لتصل إلى 4.3 مليار دولار فى عام 2024، مقارنة بنحو 2.4 مليار دولار قبل ذلك، هذه القفزة الكبيرة ترافقت مع زيادة أعداد العاملين فى القطاع، حيث بلغ عددهم أكثر من 160 ألف متخصص، بنسبة نمو وصلت إلى 70%، كما شهدت السوق المصرية توسعاً فى عدد الشركات العاملة فى مجال التعهيد، لترتفع من 64 شركة فقط إلى أكثر من 180 شركة، ما يعكس الثقة المتزايدة فى قدرات مصر على توفير بيئة مناسبة للأعمال.
أكد الدكتور «طلعت» أن ما تحقق لم يكن ليتم دون وضوح الرؤية والاستراتيجيات الطموحة، ففى النسخة الثانية من الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعى، وضعت مصر أهدافاً محددة للفترة من 2025 إلى 2030، من أبرزها رفع مساهمة الذكاء الاصطناعى إلى 7.7% من الناتج المحلى الإجمالى، وترتكز هذه الاستراتيجية على ستة محاور رئيسية، تشمل تطوير البنية التحتية الرقمية، وإرساء أطر حوكمة البيانات، وتبنى التطبيقات التنموية فى قطاعات حيوية مثل الصحة والعدل، إلى جانب تدريب عشرات الآلاف من المتخصصين، ونشر الوعى المجتمعى، وتوسيع قاعدة الشركات الناشئة العاملة فى هذا المجال.
أحد أبرز ملامح هذه الاستراتيجية هو الاستثمار فى العنصر البشرى، فقد تمكنت الوزارة خلال عام واحد فقط من تدريب 500 ألف متدرب فى مختلف تخصصات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، كما تستهدف الوزارة تدريب 30 ألف متخصص فى مجال الذكاء الاصطناعى بحلول عام 2030، ويأتى ذلك بالتوازى مع تأسيس جامعة مصر للمعلوماتية، التى شهدت مؤخراً تخريج أول دفعة من طلابها، لتصبح أول جامعة متخصصة فى أفريقيا تمنح شهادات مزدوجة بالتعاون مع كبرى الجامعات العالمية، هذه الخطوة تؤكد أن مصر لا تراهن فقط على جذب الاستثمارات الخارجية، بل تسعى لبناء قاعدة محلية من الخبراء القادرين على قيادة المستقبل الرقمى.
لم يغفل الوزير الحديث عن ملف التصنيع المحلى، مؤكداً أن الوزارة وضعت خطة خمسية لتنمية صناعة الهواتف المحمولة، ويوجد فى مصر حالياً 14 مصنعاً للهواتف، التزمت بإنتاج 9 ملايين وحدة خلال عام 2025، مقابل 3.5 مليون وحدة فقط تم إنتاجها العام الماضى، الأهم أن بعض هذه المصانع يستعد لتصدير منتجاته للخارج بداية من نهاية العام الجارى، وهو ما يفتح الباب أمام دخول مصر إلى سوق المنافسة العالمية مستفيدة من اتفاقيات التجارة الحرة التى تمنحها ميزة تنافسية.
جاءت احتفالية جمعية «اتصال» لتجسد نموذجاً حياً للتعاون بين الحكومة والمجتمع المدنى والقطاع الخاص، فقد شهد الحفل حضور وزراء الاتصالات السابقين، إلى جانب قيادات من الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات «إيتيدا»، إضافة إلى رؤساء وأعضاء منظمات المجتمع المدنى، وأكد المهندس حسام مجاهد، رئيس مجلس إدارة جمعية «اتصال»، أن الإنجازات التى تحققت خلال السنوات الماضية ما كانت لتتم إلا بالتعاون الوثيق بين كافة أطراف المنظومة، وأوضح أن الجمعية ستواصل العمل لدعم التحول الرقمى وريادة الأعمال، وفتح آفاق جديدة للاستثمار والابتكار.
فى لفتة تعكس أهمية الابتكار كأحد محركات النمو، شهدت الاحتفالية تسليم جائزة مسابقة الراحل الدكتور طارق كامل لريادة الأعمال والإبداع إلى شركة P Vita الناشئة، التى أسسها محمد طارق ونجلاء محمد، وتعمل الشركة على تحويل المخلفات إلى أسمدة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى، وهو ما يعكس التوجه نحو مشروعات تجمع بين التكنولوجيا وحماية البيئة.
إن الإنجازات التى تحققت فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات خلال السنوات الأخيرة، بدءاً من تضاعف صادرات التعهيد، ومروراً بتدريب مئات الآلاف من الكوادر، ووصولاً إلى إطلاق استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعى، ليست إلا خطوات أولى فى مسار طويل، ومع استمرار جهود التصنيع المحلى للهواتف المحمولة، ودعم الشركات الناشئة، وتعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع المدنى، تبدو مصر فى موقع مميز يمكنها من قيادة التحول الرقمى فى المنطقة.
ومع اقتراب عام 2030، تتجه الأنظار إلى قدرة مصر على ترجمة هذه الاستراتيجيات إلى نتائج ملموسة تدعم الاقتصاد الوطنى وتمنحها مكانة رائدة فى الاقتصاد الرقمى العالمى، وإذا استمرت وتيرة العمل بنفس القوة والوضوح، فإن مصر لن تكون مجرد سوق جاذبة للاستثمارات، بل ستصبح شريكاً رئيسياً فى صناعة المستقبل.