رؤية
يناضل الفلسطينيون منذ أكثر من سبعة عقود لانتزاع حقهم المشروع فى اقامة دولتهم المستقلة، وهو حق اعترفت به المؤسسات الدولية وساندته معظم شعوب الأرض، لكن الاحتلال الإسرائيلى وحلفائه الكبار رفضوا تحقيقه بكل الطرق.
الآن، وبعد اعتراف أكثر من 140 دولة بفلسطين، يتأكد أن القضية لم تُدفن، وأن الهوية الوطنية تستعصى على المحو، مهما امتد عمر الظلم والطغيان والاستيطان.
إن الاعتراف الدولى بفلسطين ليس مجرد إجراء بروتوكولى، بل هو حجر أساس فى معركة الوجود. حين تصوِّت دولة ما لصالح فلسطين، فهى تقول بوضوح إن الاحتلال الإسرائيلى ليس قدرًا أبديًا، وإن الأرض الفلسطينية ليست «أرضًا متنازعًا عليها» كما تدعى إسرائيل، بل أرض محتلة يجب أن تعود لأصحابها.
هذا الاعتراف يعنى أن الرواية أو السردية الفلسطينية لم تُهزم، وأنها قادرة على فرض نفسها رغم آلة الدعاية الجبارة والدعم الغربى الأعمى للكيان الصهيونى.
ويعزز هذا الاعتراف أيضًا مكانة فلسطين على الصعيد القانونى والسياسى، لأنها تعطى الحق للفلسطينيين فى الانضمام إلى منظمات دولية، مثل المحكمة الجنائية الدولية، بما يتيح لهم ملاحقة جرائم الاحتلال أمام العالم. وتمنحهم ورقة ضغط جديدة على طاولة المفاوضات، حيث لم يعد الطرف الفلسطينى وحيدًا أو ضعيفًا، بل يقف مسنودًا بإجماع دولى واسع.
لكن الاعتراف رغم أهميته لم يكتمل، ففلسطين ما زالت فى الأمم المتحدة «عضوًا مراقبًا»، لا دولة كاملة الحقوق، والأخطر أن الاعتراف لم يتحول إلى ضغط فعلى على إسرائيل. فما جدوى مئات القرارات والبيانات إذا ظل الاستيطان يتمدد، والقدس تُبتلع، والحصار يخنق غزة ويبيد أهلها؟ إن الاعتراف الذى لا يُجبر الاحتلال على التراجع يظل ناقصًا، وأشبه بكلمة بلا فعل.
كما أن غياب اعتراف القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة ومعظم دول أوروبا الغربية، يضعف هذه الخطوة الدولية.
إن القوى، التى ترفع شعارات الحرية والديمقراطية، تواصل حرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، وتمنح إسرائيل الغطاء لتمارس عدوانها بلا محاسبة، وتشارك فى الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة بالمال والسلاح. وهنا يتجلى النفاق الدولى فى أوضح صوره، حقوق الإنسان تُرفع كشعار، لكنها تُداس حين يتعلق الأمر بفلسطين.
مع ذلك، يظل الاعتراف الدولى بفلسطين إنجازًا لا يمكن الاستهانة به، إنه شهادة من العالم بأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، وأن قضيتهم لا يمكن محوها مهما طال الزمن، لكن يجب أن يتحول هذا الاعتراف إلى أداة فعلية لإنهاء الاحتلال، لا مجرد حبر على ورق، كما يجب أن تواكبه وحدة شاملة بين أبناء الشعب الفلسطينى تُعيد للقضية قوتها وصلابتها.
إن الاعتراف بفلسطين هو حق تاريخى وعدالة مؤجلة، لكنه يظل خطوة فى طريق طويل. صحيح أن هذا الاعتراف يؤكد أن الطريق إلى الحرية لم يُغلق، لكنه يحتاج إلى إرادة دولية صادقة، وإلى شعب فلسطينى موحَّد ضد غطرسة الاحتلال. عندها فقط، لن يكون الاعتراف مجرد ورقة، بل سيكون شهادة ميلاد لدولة طال انتظارها.