أون لاين
من يتأمل مشهد الاتصالات فى مصر اليوم، يدرك أن ما كان حلماً منذ سنوات بدأ يتحول إلى واقع ملموس، توطين صناعة الهواتف المحمولة، لم يعد الحديث عن مجرد استيراد أحدث الإصدارات أو انتظار وصولها بعد شهور من طرحها عالمياً، بل أصبح لدينا مصانع قائمة، وخطط إنتاج بملايين الوحدات، واستراتيجية خمسية تعكس رؤية واضحة نحو التصنيع والتصدير وتعميق القيمة المضافة محلياً.
تصريحات الدكتور عمرو طلعت، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، تكشف حجم التحول الجارى، فعدد مصانع الهواتف فى مصر ارتفع إلى 14 مصنعاً بالفعل، مع التزامات إنتاج تصل إلى 9 ملايين وحدة خلال عام 2025، مقارنة بـ3.5 مليون وحدة فقط العام الماضى، الأهم أن هذه المصانع تستعد للتصدير إلى الأسواق الخارجية اعتماداً على ميزة تنافسية وفرتها اتفاقيات التجارة الحرة، ما يعنى أن الهاتف المصرى لن يكون للاستهلاك المحلى فقط، بل للعبور إلى أسواق جديدة.
لكن القيمة الأعمق ليست فى الأرقام وحدها، ما يحدث اليوم يمثل نقلة استراتيجية، حيث تتحول مصر من مجرد سوق مستهلكة إلى قاعدة إنتاجية قادرة على المنافسة، وهذا التحول له بعدان رئيسيان الأول اقتصادى يتعلق بجذب استثمارات جديدة وتوفير فرص عمل لشباب متخصصين، والثانى سيادى يرتبط بتعزيز الاكتفاء الذاتى وضمان الأمن التكنولوجى.
لا يمكن إغفال أن هذه الخطوات جاءت بعد سلسلة إصلاحات فى السياسات التنظيمية، مثل تسهيل إجراءات اعتماد النوع، وتسريع الإفراج الجمركى عن الشحنات، وتشديد الرقابة لمنع دخول الأجهزة غير المعتمدة، هذه السياسات لم تقتصر على حماية المستهلك وضبط السوق، بل خلقت بيئة جاذبة لوكلاء العلامات العالمية، وأعادت ثقتهم فى السوق المصرية.
صناعة المحمول فى مصر ليست مجرد مشروع صناعى، بل قضية سيادة اقتصادية بامتياز، وجود مصانع محلية يعنى أننا نصنع التكنولوجيا بأيدينا، ونضيف قيمة حقيقية إلى الناتج المحلى، ونفتح الباب أمام البحث والتطوير والابتكار، ونجاح هذا الملف سيحدد إلى حد كبير مدى قدرة مصر على المنافسة فى الاقتصاد الرقمى العالمى.
الطريق ما زال طويلاً، لكن المؤشرات مطمئنة، مصر اليوم أمام فرصة تاريخية لتأسيس صناعة اتصالات متكاملة، تبدأ من الهاتف المحمول وقد تمتد إلى مكونات أخرى من سلاسل الإمداد التكنولوجية، وإذا استمرت الرؤية واضحة، والعمل الجماعى بنفس الوتيرة، يمكن أن يصبح «صُنع فى مصر» علامة تجارية حقيقية فى أسواق الهواتف العالمية.