رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

د. محمد البلتاجى رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامى «EIFA»:

مؤشرات الاقتصاد ترسم مسار التحرر من عباءة صندوق النقد

بوابة الوفد الإلكترونية

5 مستهدفات لتعزيز نشر التمويل الإسلامى

 

صفحة بيضاء تُمنح لك لتكتب عليها قصة مختلفة، ملحمة يختلط فيها الجهد بالأمل، والإصرار بالحلم، والإخلاص بالعمل.. رسالتك ليست كبقية الرسائل، إنها سر العظماء الذين لم يرضوا أن يعيشوا عاديين، فاختاروا أن تكون مسيرتهم ملاحم متواصلة من الإصرار والإنجاز.. أنت لم تخلق للتراجع، بل للمضى قدما، لتسطر سطورًا من صبرك وعزيمتك على صفحات كتابك.. تجربتك روح مختلفة، ولادة للذات، تجديد للعزيمة، ونافذة تُطل بك على احتمالات لم تكن تراها من قبل.. وكذلك محدثى إيمانه بالنجاح جعل الطريق الشاق رحلة تستحق أن تحيا، ليخلد اسمه فى سجل من اختاروا أن يكونوا مميزين.
مشوارك سلسلة من التحديات، كلما عبرت واحدًا، ظهر لك آخر، أكثر قوة وعمقًا، ليس عثرات تقف فى الطريق، بل اختبار لقدرتك على الصمود، ولإصرارك على أن تظل واقفًا مهما كانت الرياح عاتية.. وعلى هذا الأساس كانت مسيرة الرجل.
الدكتور محمد البلتاجى رئيس الجمعية المصرية للتمويل الإسلامى «EIFA».. يعطى لكل لحظة قيمتها، ولكل كلمة وزنها، أفكاره لا تبنى على العشوائية أو الارتجال، يبحث فى كل يوم عن بداية جديدة تُضيف معنى آخر لمسيرته.
فى أحد الشوارع الجانبية الهادئة المتفرعة من شارع نوال بالدقى، الشارع الذى يحمل فى اسمه عبق التاريخ، إذ ارتبط باسم الأميرة نوال، ابنة محمد عبد الرحيم باشا صبرى، وشقيقة الملكة نازلى، والذى كان يملك قصرًا مهيبًا بنفس الشارع، تقف بناية تبدو من الخارج عادية، لكن من الداخل تخبئ أسرارًا وقصصًا من نور.
على مقربة من المدخل الرئيسى فى الطابق الأرضى، يسود صمت مهيب، كأنما يعلن للزائر أنه ليس مجرد مبنى، بل محراب للمعرفة ومسرح للعقول، تمتد الغرف متجاورة، تضم بين جدرانها ملفات دراسية وأبحاثًا علمية، كل ورقة فيها تحمل جهداً وعرقًا وأملًا فى مستقبل أفضل.. بين تلك الغرف جميعها، غرفة تفرض حضورها بهيبتها وخصوصيتها.. ليست غرفة عادية، بل ورشة عقل ومختبر فكر، حيث الجانب الأكاديمى يتلاقى مع العملى، وحيث تتحول النظريات إلى واقع ملموس. على أحد جدرانها تتلألأ سبورة إلكترونية، أداة عصرية تُسهم فى صياغة عقول العاملين بمجال التمويل الإسلامى، وتفتح أمامهم آفاقًا جديدة.
الديكور بسيط، لكنه منظم إلى حد يوحى بالانضباط. مكتبة جانبية تحتضن مجلدات وملفات دقيقة، أشبه بخزائن أسرار للصناعة، كل مجلد منها يحكى قصة، وكل ملف يختزن حكاية.. وفى قلب الغرفة، مكتب متواضع المظهر، يعلوه سطح غير خالٍ، تتناثر فوقه قصاصات ورقية صغيرة، تبدو مجرد أوراق، لكنها فى الحقيقة مفاتيح لأبواب كبرى، إذ تكشف تفاصيل عن هوية المؤسسة واستراتيجيتها التعليمية.
خلف هذه الأوراق، تختبئ أجندة ليست كبقية الأجندات، سجل نادر، كتب على صفحاته رحلة طويلة من العطاء والجهد والمثابرة. كل صفحة منها تمثل محطة، وكل سطر شهادة على نضال وفكر وإيمان لا ينكسر. إنها ملحمة لرجل آمن بقوة العمل الجماعى، وخلّد مقولته فى مقدمة تلك الصفحات.. «اختر فريق عملك جيدًا، فإن النجاح لا يأتى إلا بصحبة من يشبهونك إصرارًا وإيمانًا».
حكمة تتجسد فى أقواله، وفى تفكيره التدبر العميق. لا يترك أفكاره تُبنى على العشوائية أو الارتجال، يقرأ الواقع، ويستخلص من تفاصيله إشارات واضحة، ليبنى رؤية تحمل بين طياتها ملامح مستقبل أفضل للاقتصاد.. يرى أن الاقتصاد الوطنى يتسم بالقوة، رغم تعرضه لعواصف وأزمات متتالية، نتيجة المتغيرات الخارجية، والارتباك الذى يضرب اقتصاديات العالم، وذلك بسبب التنوع فى الاقتصاد، وتوافر الأيادى المدربة، مع توافر المساحات الشاسعة فى الرقعة الزراعية، القادرة على تغيير مسار الاقتصاد إلى الأفضل، مع الطفرة فى الصناعات الإنتاجية فى كافة المجالات.
يفتش دائمًا عن الجديد، مؤمن بأن الغد لا يُصنع بالصدفة، بل يُبنى بعقل واعٍ ورؤية متجددة. ومن هذا المنطلق، ينظر إلى التحديات الداخلية التى واجهت الاقتصاد الوطنى خلال السنوات الأخيرة، من تقلبات أسعار الصرف، وارتفاع أسعار الفائدة، وضغوط التضخم، وزيادة وتيرة الاقتراض الخارجى، باعتبارها عقبات ثقيلة لكنها ليست مستعصية، لقد شكّلت هذه الملفات صداعًا متواصلًا فى رأس الدولة والاقتصاد، إلا أن الإرادة السياسية لم تستسلم، بل شرعت فى مواجهة تلك التحديات بمجهودات مضاعفة وإجراءات متوازنة.. فمن خلال توظيف أدوات السياسة النقدية التوسعية، تسعى الحكومة إلى كبح جماح الأزمات، وضبط إيقاع الأسواق، بما ينعكس تدريجيًا على مؤشرات النمو الاقتصادى، ويعيد الثقة إلى العملة المحلية فى مواجهة العملات الأجنبية. ومع كل خطوة إصلاحية، يلوح الأمل فى خروج تدريجى من عباءة صندوق النقد الدولى، والتحرر من قيوده، انطلاقًا من قناعة راسخة بأن الاقتصاد الوطنى يمتلك فى جوهره جميع مقومات النجاح: سوق ضخم، موارد متنوعة، طاقات بشرية متجددة، وموقع استراتيجى يمنحه ميزة تنافسية قلّ نظيرها، بالإضافة إلى حجم الأموال الكبيرة غير الموجودة فى الاقتصاد غير الرسمى..
< إذا كيف يمكن معالجة الأزمات والتحديات التى يواجهها الاقتصاد الوطنى؟
- بفكرٍ دقيق ورؤية يملأها التفاؤل، يجيبنى قائلاً: «إن مفتاح المرحلة المقبلة يكمن فى استقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال، خاصة المحلية منها، عبر توفير بيئة استثمارية جاذبة تتسم بالوضوح والمرونة والثبات. فبقدر ما تنجح الدولة فى خلق مناخ مطمئن للمستثمر، بقدر ما تنجح فى تحويل الأموال المجمدة إلى مشاريع نابضة بالحياة، تسهم فى تحريك عجلة الاقتصاد».
يستطرد قائلا: «إن إحياء المصانع المتوقفة ليس مجرد ملف اقتصادى عابر، بل هو رهان استراتيجى يعيد تشغيل الآلات، ويستنهض طاقات بشرية عطلتها الظروف، وذلك وفق رؤية احترافية مدروسة قادرة على إعادة دمج هذه المصانع فى شرايين السوق».. فالاقتصاد الوطنى، كما يوضح، ليس هشا، ولا عابر سبيل، بل يقوم على أصول حقيقية وموارد متنوعة، تحتاج فقط إلى إدارة تُحسن توظيفها وتوزيعها، بحيث تتحول الإمكانات إلى نتائج، والطموحات إلى واقع ملموس. إنها ببساطة معادلة حسن إدارة، قوامها الرؤية الاستراتيجية والإرادة التنفيذية.
ينسج أفكاره بخيوط دقيقة، فلا يترك مكانًا للعشوائية أو الارتجال. وبذات المنهج التحليلى يتناول ملف الأموال الساخنة، موضحًا أن فلسفتها تقوم على التخارج السريع، فهى أموال عابرة لا تضيف قيمة حقيقية للاقتصاد الوطنى. بل إن محاولة تحويل جزء منها إلى استثمار مباشر أمر بالغ الصعوبة، نظرًا لطبيعتها المضاربية وغياب الاستقرار فى تدفقها.
يرى أن الطريق الأجدى يتمثل فى تعزيز الاستثمار والإنتاج المحلى، ورفع جودته ليكون قادرًا على المنافسة إقليميًا ودوليًا. وفى الوقت ذاته، يشدد على أهمية استقطاب رؤوس الأموال العربية، التى تبحث دومًا عن فرص استثمارية حقيقية، خاصة فى بيئات تمتلك تنوعًا فى الأدوات الاستثمارية.. كما أن الصكوك تتصدر هذه الأدوات باعتبارها وسيلة تمويلية ترتبط بمشروعات فعلية على أرض الواقع، وليست مجرد أوراق مالية عابرة. فقد بلغت قيمة إصداراتها نحو 200 مليار جنيه، مع توقعات بارتفاعها إلى 300 مليار جنيه بنهاية عام 2025، وهو ما يجعلها رافعة مهمة لدعم التنمية وتوفير مصادر تمويل مستدامة.
< ما تقييمكم للاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ وكيف يمكن زيادتها؟
- لحظات من السكون خيّمت على المكان، قبل أن يكسر صمته صوت إجابته الواثقة قائلا: «إن الاستثمار لا ينهض بالصدفة، بل بحاجة إلى خطة متكاملة، تُبنى على رؤية واضحة، وتتحقق مستهدفاتها فى كل القطاعات بلا استثناء».
استكمل قائلا: «إن هذه الخطة لن تكتمل إلا بإعادة الحياة إلى المصانع المتعثرة، وتحريك عجلة الإنتاج فى المصانع المتوقفة، حتى تعود لتساهم فى بناء الاقتصاد بقوة، كما أن ضخ أموال جديدة ليس مجرد دعم مالى عابر، بل شريان حياة يعيد النشاط إلى جسد الصناعة، ويفتح أمامها أبوابًا واسعة من الفرص الاستثمارية».
لا يُخفى ميوله الواضحة نحو الصكوك والصناعة المالية الإسلامية، معتبرها أداة تمويلية ذات قدرة استثنائية على تحريك عجلة الاقتصاد. فالأرقام، كما يشير، تتحدث بوضوح: فقد وصل حجم العمل المصرفى الإسلامى بمصر (الأصول) فى نهاية يونيو 2025 حوالى 1.113 تريليون تشكل حوالى 5.2% من حجم السوق المصرفى المصرى بزيادة قدرها 375 مليار جنيه وبنسبة نمو قدرها 51% عن يونيو 2024.
يضيف أن «اتساع قاعدة المتعاملين لتضم أكثر من خمسة ملايين عميل يعكس حجم الثقة المتزايدة فى هذه الأداة، ويؤكد مكانتها كأحد أكثر المسارات المالية أمنًا واستدامة. ولعل ما يميز التمويل الإسلامى عمومًا، والصكوك على وجه الخصوص، هو ملاءمته للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، تلك المشروعات التى تشكل العمود الفقرى لأى اقتصاد، لكنها غالبًا ما تعانى من شح التمويل وضعف القنوات التقليدية الداعمة لها، بالإضافة إلى فائدتها تمويل مشروعات الدولة للتنمية، هيكلة المصانع الكبرى، بما يعزز الجانب الوطنى لدى المستثمرين».
من هذا المنطلق، تبدو الصكوك والتمويل الإسلامى ليس مجرد أدوات مالية، بل ركيزة استراتيجية يمكن البناء عليها لإيجاد تمويل حقيقى، يُترجم إلى مصانع عاملة، وشركات ناشئة، وفرص عمل جديدة، بما يعزز قوة الاقتصاد الوطنى ويمنحه بعدًا أكثر استدامة، لذا تتطلب من البنك المركزى قواعد تنظم عمل البنوك الإسلامى، وكذلك العمل على توفير كوادر بشرية للعمل فى هذا المجال.
< كيف يمكن للشركة الراغبة فى الطرح فى البورصة أن تنضم منذ اليوم الأول لقائمة مؤشر الشريعة الإسلامية؟
- صمت عميق، كأنما يستجمع كلماته قائلاً «إن مؤشر الشريعة، رغم أهميته، يحتاج إلى إصدار قائمة مكملة لمؤشر الشريعة لتصل إلى 90 شركة، ولا تقتصر فقط على الشركات الثلاث والثلاثين المكوّنة له حاليًا.. فالمستثمر يحتاج إلى قدر أكبر من التنوع والخيارات، وهو ما يستوجب أن تتضمن نشرات الطرح الخاصة بهذه الشركات ما يثبت التزامها الكامل بأحكام الشريعة الإسلامية».
يشدد على أن ذلك لا يتحقق إلا من خلال وجود هيئة شرعية مستقلة تتولى مهمة المراجعة الدقيقة، والتأكد من خلو هذه الشركات من أى محاذير شرعية، سواء ما يتعلق بالتمويلات التقليدية، أو التعاملات القائمة على المتاجرة بالديون، أو حتى غياب الأصول المنتجة، فوجود شركات بصدق مع الضوابط الشرعية، كما يرى، لا يقتصر على تعزيز الشفافية فقط، بل يفتح الباب أمام استقطاب شرائح جديدة من المستثمرين الذين يبحثون عن أدوات استثمارية تحقق عوائد مالية من دون أن تصطدم بقناعاتهم الدينية أو اعتباراتهم الأخلاقية.
النجاح لا يولد من العبث، بل من الانضباط والعمل المتواصل وهو سر تميزه، بالإخلاص نجح فى أن يترك أثرا، عبر دوره وجهده فى نشر الوعى بالاقتصاد الإسلامى، والتمويل الإسلامى، عبر الجمعية، حيث دورها فى نشر الوعى، والثقافة بالاقتصاد الإسلامى، عبر البرامج التدريبية، والندوات، والحصول على تراخيص دولية، كشهادة الماجستير المهنى، والمشاركة فى المؤتمرات الدولية، بالإضافة إلى سعيه الدائم إلى تعزيز تحقيق 5 مستهدفات يتصدرها إطلاق منصة الاقتصاد الإسلامى، بغرض التعريف، وكذلك إطلاق منصات تعليمية، وتعريفية للاقتصاد الإسلامى، وكذلك توقيع اتفاقيات دولية ومحلية، وعربية، مع كافة الجهات، ومنها التدريب والاستشارات بتجارة جامعة الأزهر، والمعهد المصرفى بالبحرين، والعديد من الجهات الدولية.
كل عظيم عبر التاريخ لم يبدأ من قمة، بل من فكرة آمن بها، وبنفس المنهجية كان الرجل فى مسيرته، يحث أولاده على الإخلاص فى العمل، والجهد المستمر.. لكن يظل شغله الشاغل بتحقيق أقصى طموحات أن يكون الاقتصاد الإسلامى فى القمة.. فهل ينجح فى ذلك؟