بدون رتوش
ويستمر الحديث مع فضيلة الداعية الشيخ «محمد الغزالى» عن الشورى فى المجتمعات الإسلامية والعربية. وأسأل فضيلته: هل ترون بالفعل أنها شورى غير واضحة المعالم، وهو الانطباع الذى تولد لدى البعض فى أعقاب الحديث عنها فى المجتمعات الإسلامية والعربية بتحفظ دائم. فيقول فضيلته:
<< (لا شك أن الأنظمة الديموقراطية فى الدول العربية والإسلامية تحتاج إلى بحث اجتماعى مطول، فالأمة العربية الآن قد تميل إلى المداهنة على المصارحة. وترى فى حسن المظهر ما يغنى عن الموضوع. ويؤسفنى أن أقول إن غرب أوروبا قد يكون أقرب إلى الفطرة الإنسانية من الدول العربية ).
< وماذا عن العلاج؟
<< (العلاج طويل. ولكنه يظهر عندما تكون هناك شعوب).
< ما المعنى إذن بالشورى الحقيقية؟
<< (أن تكون هناك أجهزة تحاسب الحاكم على ما يقول وما يفعل، فلا يقر قانون إلا بموافقة الأمة. ولا تفرض ضريبة إلا برأى الأمة، ولا تعلن حرب إلا بمصادقة الأمة).
< هل قول الله سبحانه وتعالى: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» يعنى إعطاء الحاكم الحق فى اختيار الذين يستشيرهم أم أن ذلك حق خالص للأمة تختار به نوابها وممثليها؟
<< (ليس فى الإسلام شخص له قداسة أو شخص يفرض نفسه على أنه يعلم كل شيء وغيره لا يعلم، وأنه يقدر على المصاعب وغيره لا يقدر. الإسلام يرى أن الحاكم شخص عادى اختارته الأمة لينفذ الأمور العقائدية، وهو ما قلت ابتداء أن لا شورى فيها. أما فيما فيه الشورى فإنه يملك السلطة التنفيذية، ويمكن من ذلك. أى أن عبقرية الحاكم تتجسد فى المجال التنفيذى أى فى إبراز رغبات الأمة التشريعية والاجتماعية والسياسية والخضوع لها فى شكل عملى واضح وفق الأدوات التى مكنته الأمة منها).
< يقال إن الشورى واجبة كى تتحقق صيانة الحاكم من الأثرة والاستبداد؟ كيف يمكن أن نضمن نزاهة من يدلى بدلوه فى الشورى خاصة أن هناك من يلجأ إلى تضليل الحاكم والتمويه عليه؟
<< (توفرت النزاهة فى يوم من الأيام عندما وقف أحد النواب المصريين ورفض أن يصلح اليخت الملكى «المحروسة» من الميزانية العامة للشعب. وقرر رفض مقترحات القصر الملكى، ورأى أن يصلح الملك يخته من جيبه لا من جيب الشعب. وجدت النزاهة عندما وقف «عباس العقاد» يقول: «إن الشعب المصرى قادر على تحطيم أكبر رأس يقف فى طريق حريته». إن الرجال عندنا كثر، ولكننا مهرة فى إهالة التراب على عظماء الرجال).
< لقد أقمتم فى لندن حقبة غير قصيرة ورأيتم من تطبيقاتها الديموقراطية ما لا يكاد يخطر ببال بشر من تكريمها لانسانية الانسان. ولا بد أن فضيلتكم قرأتم كثيرا عنها. هل نستطيع القول إن هذه الديمقراطية تعتبر تجسيدًا حيًا لمفهوم الشورى فى الإسلام؟
<< ( تسعون فى المائة من الديمقراطية البريطانية إسلامية المنبع والوجهة. ولولا أن مجلس العموم البريطانى ومجلس اللوردات قد اشتركا فى إباحة بعض الرذائل المنكرة التى يأباها الله مثل الشذوذ الجنسى لكانت الديموقراطية الإنجليزية من أجمل صور الشورى التى نحبها لبلادنا).
< هل روح الإسلام مع بيعة الحاكم إلى ما شاء الله ما دام صالحًا للحكم أم أن روح الإسلام مع تحديد مدة حكمه فترة أو فترتين كما يحدث فى الديمقراطية المعاصرة؟
<< (مسألة ترك الحاكم ليبقى طول حياته أو لفترة أربع سنوات وست سنوات مسألة تخضع لمبدأ المصلحة المرسلة وليس للإسلام فيها نص معين).
< وسط هذا تظهر نغمة تدعو إلى إلغاء المؤسسات الدستورية، لأن الديمقراطية أثبتت فشلًا ذريعًا لانعدام وعى الكثيرين بها؟
<< (هذا كلام يقوله عشاق الاستبداد لكى تظل الأمة قاصرة. وإذا كان لا بد للأمم من تدريب على الديمقراطية فإن هذا التدريب لا يكون بالكلام النظرى. والذى يعلم الأمم كيف تسبح وتنجو من الغرق ينبغى أن يكون حانيا عليها حاميًا لها، وليس مريضًا بجنون العظمة يرى الجماهير مكلفة بالخضوع له ما بقى حيًا). وللحديث بقية.