رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

قطوف

سرديات من ظلال الألوان

بوابة الوفد الإلكترونية

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"


 


(1) من ظلال الأبيض : ملاءة طفل
   حين خرج إلى العالم بكي، صرخته الأولى تعلن انخلاعا من حضن ربوبي، من دفء ما، من نور لا يرى، كان يعيشه مغمضا، يسكنه فضاء من السكينة والمرح ولعب، في رحم رحيم من الرحمن، بكي صارخا على رحيله من مقام السكينة الأول إلى مقام التجلي، ربما ثقل جسده بالقدر الذي لم يعد في مقدور مقامه الأول أن يتحمله؛ فدفعه إلى عري الحياة، وصخب النور الذي يؤرق جفونه، لفوه سريعا في ملاءة بيضاء، هكذا تعودت الأمهات، حين يستقبلن الصغار، يعتذرن لهم بهذا البياض، بظل رحماني شفيف، لم يتلوث بعد.
   لا تدر الملاءات لبنا سائغا، لكنها تشف شفقة تحاكي ذراعا سماويا ممتدا ، يلامس الجسد القادم من الغيب، ليس زينة، بل صفحة أولى تكتب عليها رائحة الجلد،  حين يشهد الاحتضان لأول رجفة، هي حضن أول لا يشبه الأم، لكنه ربما ليس بعيدا عنها، الملاءة البيضاء روح من الصفاء ، ربما ننساه ولا نتذكره إلا في مشاهدة صغارنا عند الولادة، لنتذكر أننا في رحلتنا مع الحياة نظل العمر كله نفتش عن ظل منه، ربما في دفء حضن، أو في غطاء وطن، أو في حلم أبيض لا يجيء.
(2) من ظلال الأسود : غزلية
  ذلك الفستان الأسود،  ينساب على مهل، حين تحملينه بتلك الأنوثة، وتعزفين في مشيتك إيقاعاً خفياً، لا أعلم لما يذكّرني بالماء حين يعانق الشطآن !
  وتلك الالتفاتة العابرة التي تشعل المدى كبرق مفاجئ في سماء الليل. تتلعثم أمامها الكلمات، ثم تأتي يداك لتمسك بحاشيته السفلى لتضبط انسيابه، ولتضيف إليه رعشة الحياة.
  الفستان، مهما كان من دانتيل أسود يطرز الحلم، يظل قماشاً معلقاً، حتى يأتي الجسد، فيحيله شعراً ناطقاً، وينفث فيه روحاً تتراقص مع الضوء، وتستجيب للهواء، وتكتب على مسام الليل نبضاً لا يُقال إلا بلغة الجسد. إنه يحتاج إلى تلك الأنوثة التي تعرف كيف تجعل من الفستان قصيدةً لا تُقال إلا بلغة العينين، ولا تُفهم إلا حين يلتف الخصر حول القماش، ويترجرج الموج في مشية ليست كالمشي، بل هي صلاة لخطوات الأرض، ولهمسات الليل.
  فستان الدانتيل، ذاك الفستان؛ يحتاج إلى تلك الأنوثة التي تعرف أن الأسود ليس لون الحداد، بل لون الليل حين يكتنز بالأسرار، ولون العتمة حين توشك أن تتوهج بالنجوم، لون الهمس حين يصير أغنية، ولون الصمت حين يتوهج بالحضور.
 ذلك الفستان الأسود من الدانتيل، لا يصبح فستاناً حقاً إلا حين يصبح ظلك ظل امرأة تمشي، ونور امرأة تتكلم، ووشوشة امرأة تتنفس الحضور، إنه لا يكتمل إلا بكِ، لا يكتمل إلا حين تلبسه تلك التي تعرف فقه الدانتيل: أن تحيك من الخيوط شِبَاكاً للضوء، أن تطرز على الحواف أسرار الوقت، أن تجعل من الملمس وعداً، ومن الالتفاف حول الجسد احتفالاً لا يُرى إلا بالعينين المغمضتين، ولا يُفهم إلا حين تُفَكُّ طلاسمه بأنامل ترتجف من شدة الوجد.