أون لاين
حين تستضيف القاهرة النسخة الأولى من قمة ومعرض «عالم الذكاء الاصطناعي» للشرق الأوسط وأفريقيا فى فبراير المقبل، فإن الأمر يتجاوز كونه حدثاً تقنياً ضخماً، بل يعكس اعترافاً عالمياً بأن مصر دخلت بقوة إلى سباق المستقبل.
هذه القمة ليست مجرد منصة للعرض أو التسويق، وإنما هى ساحة لتبادل الخبرات وصياغة السياسات واستشراف الآفاق المقبلة للتكنولوجيا الأكثر تأثيراً فى القرن الحادى والعشرين، مشاركة أكثر من 60 دولة، ونخبة من الشركات العالمية والناشئة، تعنى أن القاهرة ستتحول يومها إلى عاصمة للابتكار الرقمى، حيث يلتقى صناع القرار والمستثمرون والمبتكرون لمناقشة كيف يمكن للذكاء الاصطناعى أن يعيد تشكيل اقتصاديات المنطقة ومجتمعاتها.
ما يلفت الانتباه أن استضافة مصر لهذا الحدث لا تأتى من فراغ، وإنما نتيجة مسيرة بدأت منذ عام 2019 مع إطلاق الاستراتيجية الوطنية الأولى للذكاء الاصطناعى.
واليوم، وبعد إطلاق النسخة الثانية من الاستراتيجية، بات واضحاً أن الدولة تنظر إلى الذكاء الاصطناعى باعتباره قضية تنموية شاملة، لا مجرد تقنية حديثة. فالمحاور الستة التى تقوم عليها الاستراتيجية – من البنية التحتية الحوسبية، إلى البيانات، وبناء القدرات الرقمية، ونشر الوعى، والتشريعات – تؤكد أن الرؤية متكاملة، وأن الهدف النهائى هو تمكين الإنسان المصرى قبل أى شيء آخر.
القمة تمثل فرصة لمصر لتقديم نفسها ليس فقط كسوق كبيرة للشركات العالمية، بل كمنصة إقليمية لصناعة الحلول الرقمية، ومركز لتصدير الخدمات العابرة للحدود.
فلدينا ميزة تنافسية بارزة: رأس المال البشرى، شباب مصر الموهوبون فى علوم البيانات، والبرمجة، والتقنيات المتقدمة، هم ثروة لا تقل أهمية عن أى استثمار مادى، لذلك فإن الجمع بين هذا العنصر البشرى والفرص الاستثمارية التى ستطرحها القمة يمكن أن يخلق معادلة جديدة تعزز مكانة مصر كمحور إقليمى للابتكار.
لكن النجاح لن يتحقق بالشعارات وحدها، المطلوب بعد القمة هو البناء على ما سيتم التوصل إليه من شراكات ومشروعات، وتفعيل التوصيات فى صورة برامج عملية تخلق وظائف جديدة، وتدعم الشركات الناشئة، وتدفع قطاعات مثل الصحة والتعليم والصناعة والزراعة إلى مستويات غير مسبوقة من الكفاءة.
إن مصر أمام فرصة تاريخية، ليس فقط لاستضافة حدث عالمى، بل لقيادة حوار إقليمى حول كيفية توظيف الذكاء الاصطناعى لصالح التنمية الشاملة، وإذا نجحت فى استثمار هذه اللحظة، فإنها لن تكتفى بمكانة مرموقة فى المؤشرات الدولية، بل ستضع أسساً لمستقبل أكثر استدامة وعدالة وابتكاراً.
القاهرة، إذن، تستعد لتكون عاصمة الذكاء الاصطناعى فى فبراير، والسؤال الأهم: هل سننجح فى تحويل هذه القمة من حدث عابر إلى نقطة تحول حقيقية لمسيرة مصر الرقمية؟