رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

نحن شعوب حُكم عليها بالتيه لأننا صدّقنا الزعم أكثر مما صدّقنا أنفسنا، وتركنا مصائرنا تُكتب في عواصم بعيدة ثم آمنا بها كأنها قدر لا يُرد. نعيش في عالم عربي غريب الأطوار، تُرسم خرائطه خلف الأبواب المغلقة، وتُلقى علينا كوصايا مقدسة، بينما هي في الحقيقة قيود تُكبّل أجيالاً كاملة.
كيف وصل بنا الحال إلى هذا الانحدار؟ سؤال يطاردنا في المقاهي الخاوية وأرصفة المدن المرهقة. لم نرسم خرائط أو نصوغ وثائق، ومع ذلك سُجّلت مصائرنا بمداد غريب، وصارت مقدراتنا ملكًا لمن لا يعرفون أوطاننا إلا كغنيمة حرب.
منذ سايكس ـ بيكو حتى كامب ديفيد، قُدّمت لنا الخرائط على أنها إنجازات تاريخية، بينما هي مجرد أقفاص حديدية. عشنا داخل حدود لم نخترها، ورفعنا أعلامًا لم نصممها، وقاتلنا دفاعًا عن أوهام لم نصنعها. ثم يقال لنا: هذا هو الوطن، وهذا هو القدر.
لقد دخلنا زمن الأوهام الكبرى: وعود الحرية تحولت إلى زنازين، وعود التنمية إلى ديون، وعود المستقبل إلى سراب. والأنكى أننا نُساق إلى هذا المصير ونحن نصفق.
أي عبث أشد من أن تُقدّم الانتخابات كصوت للشعوب بينما نتائجها محسومة سلفًا؟ أن تُعلن الحروب "لحمايتنا" بينما نحن وقودها وضحاياها؟ أن يُفسَّر الفقر بكسل الناس لا بفساد الساسة؟ إننا لا نحيا في زمن الحقيقة، بل في زمن الزعم.
اليوم، صارت أنظمتنا أكثر تبدلاً من أقنعة الممثلين، تحالفات تُعقد في الصباح وتُلغى في المساء، صفقات تُبرم على الهواء، ودماء تُسفك أمام الكاميرات. ثروات تُنهب باسم التنمية، وأوطان تُباع باسم الإصلاح. وكأننا عالقون في مربع واحد يعاد رسمه كل عقد.
الزمن يدور في حلقة مفرغة: شعوب تهتف اليوم كما هتفت بالأمس، تنتظر وعودًا تتبخر، وتتعلق بأحلام مؤجلة. ما أشبه اليوم بالأمس، وما أتعس أن نكون أسرى دورة تتكرر بلا انقطاع.
الخطر ليس في الخراب وحده، بل في اعتياد الخراب. في أن تصبح الكارثة خبراً يومياً لا يهز أحداً، والدم مشهداً لا يثير الدهشة. هنا يتحول الإنسان إلى متفرج صامت على نهايته.
النقد الحقيقي هو كسر هذا الصمت، فضح هذا الزعم، ورفض التطبيع مع الوهم. فالقدر ليس كتابًا مقدسًا يُفرض علينا، بل صناعة بشرية يمكن أن نعيد كتابتها بأيدينا.
قد يبدو الكلام تشاؤماً، لكن التشاؤم الحق هو أن نصمت ونبارك الخراب. الأمل ليس شعارًا مفرغًا، بل فعل مقاومة: أن نسأل، أن نرفض، أن نكتب خرائطنا بأنفسنا. ما دام السؤال حيًا: "متى نصوغ قدرنا بأيدينا؟" فلن يكون الزمن محكومًا أن يعيد نفسه إلى الأبد.

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية