مسار القهوة
تحتفل مصر فى التاسع من سبتمبر من كل عام بعيد الفلاح، ويرتبط عيد الفلاح فى مصر بذكرى إصدار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عام 1952م قانون الإصلاح الزراعى، الذى منح الفلاحين لأول مرة حق تملك الأرض الزراعية بعد أن كان مقتصرا على عدد قليل من المُلاك أو الإقطاعيين، ومنذ ذلك التاريخ، تحوّل يوم التاسع من سبتمبر إلى ذكرى لتحرير الفلاح المصرى، وأضحى مولدا جديدا له كقوة إنتاجية لا يمكن الاستغناء عنها لتحقيق استقرار الدولة.
إن علاقة المصريين بالزراعة قديمة قِدَمَ التاريخ، فمنذ أن تجاوز المصرى القديم مرحلة العيش على ما تمنحهم الطبيعة من طعامٍ إلى الاعتماد على ما تُنتجه الحقول من محاصيل متنوعة؛ ارتبطت حياتهم بالزراعة ارتباطا حياتيا، إذ وفرت لهم احتياجاتهم، ووجهتهم إلى الإفادة من مياه النيل، وعلَّمتهم العمل المنظم والإنتاج والادخار، ودعتهم إلى السَّكنِ بجوار حقولهم، وأسهمت فى خلق نمط حياة إنتاجى قائم على بذل الجهد وانتظار الحصاد؛ فضلا عن دعم الإنتاج الحيوانى الذى تم توظيفه بشكل فعال فى منظومة الزراعة فى مصر القديمة سواء فى حرث الأرض أو فى توفير الاحتياجات الغذائية.
وكانت مصر تشتهر فى هذه الفترة بزراعة أصناف كثيرة من الحبوب والنباتات والخضراوات، ومنها: الفول، والعدس، والذرة، والحلبة، والخيار، والبصل، والخس. ومن الفواكه: التين، والعنب، والنبق، والجميز، والبلح. ومن المحاصيل الزيتية: السمسم، والخروع. كما بدأت زراعة الزيتون منذ الأسرة الثامنة عشرة ولكنه كان نادرا دائما، كذلك كانت بمصر حدائق للزهور مستمدة من الذوق المصرى، الذى أحب باقات الزهور وأكاليلها.
ولم يكن دور الفلاح يومًا مقتصرًا على الزراعة وحمل الفأس فقط، بل كان الفلاح متواجدا بقوة فى الأوقات كلها، فحمل السلاح للدفاع عن أرض مصر أوقات الحروب، وعمل جاهدا فى حقله لتوفير الاحتياجات الغذائية ومخزون الاستهلاك الاستراتيجى وقت الأزمات، وهو من حرص أيضا على تلقى التعليم وتوظيفه لتطوير أساليب زراعية متطورة أسهمت فى مضاعفة الإنتاج الزراعى وتحسين جودته، وقد ساعد ذلك، بشكل واضح، على توفير احتياجات الغذاء لأكثر من 110 ملايين مصرى، كما أسهم فى زيادة صادرات مصر الزراعية، فقد أشار التقرير الصادر عن المركز الإعلامى لمجلس الوزراء إلى أن مصر استطاعت تحقيق الاكتفاء الذاتى من تسعة محاصيل زراعية خلال عام 2020م، أهمها الخضراوات بإنتاج 25.5 مليون طن، والفاكهة بإنتاج 10.7 مليون طن، والأرز بإنتاج 6.5 مليون طن، والذرة البيضاء بإنتاج 4.5 مليون طن، والبصل بإنتاج 4 ملايين طن. وعلى صعيد الصادرات الزراعية أشار التقرير إلى وصول حجمها إلى 4.6 مليون طن خلال الفترة من يناير إلى نهاية أغسطس 2021م.
وقد جعل الإسلام للزراعة مكانة كبيرة وحث عليها؛ فعن أنس بن مالك –رضى الله عنه– قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من مسلمٍ يغرسُ غرسا أو يَزْرَعُ زَرْعا فيأكلُ منه طيرٌ أو إنسان أو بهيمةٌ إلاَّ كان له به صدقة».
وفى النهاية، تحية خالصة لكل فلاح مصرى ذى أيادٍ خضراء، نفتخر به ونقدر دوره.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب - جامعة المنصورة