خبيرة في الشأن الإيراني: انخراط القاهرة فى الملف النووي سابقة خلال العقود الماضية

أكدت د. شيماء المرسي، خبير الشئون الإيرانية، أن خطوة توقيع إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في العاصمة المصرية القاهرة اتفاقًا لاستئناف التعاون الفني بين الجانبين، تمثل مسارًا ضيقًا لكنه بالغ الأهمية لتأجيل العقوبات الأممية على طهران.
وأوضحت أن هذه الخطوة تأتي في ظل اقتراب تفعيل آلية "الزناد" وعودة عقوبات مجلس الأمن الخاصة بحظر بيع السلاح والقيود على الصواريخ الباليستية والعقوبات المالية، الأمر الذي من شأنه توجيه أقسى ضربة للبرنامجين النووي والصاروخي الإيراني.
وأضافت أن الاتفاق المبرم قد يكون وسيلة لتأجيل هذه العقوبات، خصوصًا وأن أي تنفيذ أوروبي للعقوبات قد يدفع إيران إلى اتخاذ خطوات تصعيدية مثل الانسحاب من معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية (NPT) أو زيادة تخصيب اليورانيوم إلى مستويات تتجاوز إنتاج أكثر من عشر قنابل نووية، وهو ما سبق وأكدته الوكالة الدولية.
وترى المرسي أن ذلك يشكل ورقة ردع في يد إيران، لكنه في الوقت نفسه اختبار حقيقي لقدرة أوروبا على تحويل أدواتها القانونية إلى أدوات ضغط فعلية، وهو ما يتطلب تنسيقًا وثيقًا مع واشنطن وتجاوز التحديات الجيوسياسية.
وشددت الخبيرة على أن إيران تتعامل بقدر من الحذر، إذ تدرك أن أي اندفاع غير محسوب في تطوير برنامجها النووي قد يواجه بردع عسكري مباشر من الولايات المتحدة أو إسرائيل. لذلك فهي تميل إلى المماطلة في التفاوض، مستفيدة من رغبة الوكالة الدولية في إبقاء المسار الدبلوماسي قائمًا حتى تنقضي فترة صلاحية آلية "الزناد" أحادية الجانب.
وحول الدور المصري، أوضحت د. المرسي أن انخراط القاهرة في الملف النووي الإيراني يُعد سابقة خلال العقود الأربعة الماضية، حيث تزايدت الجهود المصرية منذ يونيو 2025 مع الزيارة المتزامنة لمدير الوكالة رافاييل جروسي ونائب وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. وتوجت هذه الجهود باستقبال وزير الخارجية المصري لنظيره الإيراني في 9 سبتمبر، وهو اللقاء الذي أكد فيه الجانب المصري استعداده لدفع العلاقة بين طهران والوكالة الدولية إلى الأمام.
وأشارت المرسي إلى أن التحركات المصرية تهدف بالأساس إلى تجنيب المنطقة اندلاع حرب جديدة قد تكون تداعياتها كارثية على الأمن والاقتصاد الإقليمي، لافتة إلى أن القاهرة توظف علاقاتها المتوازنة مع مختلف الأطراف لتعزيز المسار الدبلوماسي، بما في ذلك منع التصعيد مع إسرائيل، ودعم جهود التهدئة في غزة وإعادة إعمارها، والسعي لتحقيق هدف أوسع يتمثل في إقامة شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي.
وأضافت أن الوساطة المصرية لا تقتصر على الجانب السياسي فحسب، بل تحمل أيضًا مكاسب اقتصادية محتملة، منها زيادة التبادل السياحي مع طهران وإبرام عقود نفط طويلة الأجل، فضلًا عن ضمان استقرار حركة الملاحة في قناة السويس بعد الاضطرابات الأخيرة.
وختمت د. شيماء المرسي تصريحاتها بالتأكيد على أن التطورات الجارية ليست مجرد خطوات إجرائية، وإنما تعكس إدراك طهران لمرحلة جديدة فرضتها نتائج الحرب مع إسرائيل وضغوط واشنطن، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تعزيز مكانتها كوسيط إقليمي قادر على تحقيق التوازن وسط لعبة معقدة تتشابك فيها الحسابات النووية والأمنية والجيوسياسية. ومع ذلك، يبقى مستقبل التفاوض مرهونًا بقدرة الأطراف على تجاوز الألغام الكبرى، من تهديدات الأوروبيين بإعادة فرض العقوبات، إلى الخلاف الجوهري بين واشنطن وطهران حول مسألة التخصيب.