إبادة الحرث والنسل
غزة.. على مائدة مصالح العالم

الموت هنا ليس استثنائياً بل يزحف متسلقًا أراوح ضحاياه المتشبثين بوتد الخيام.. طفل يحبو على جمر الرمال وأم تقاوم الرياح حتى لا يقتلع «الستر» صغارها فلم يعد هنا مدينة ولا بيت فقط السماء يلتحفها الجياع للخبز والنوم وللبيت
مزق العالم غزة، حوّلها لمقبرة مفتوحة وقتل نساءها ورجالها وكبار سنها ومستقبلها فى أطفالها فى طوابير الحصول على «شربة» ماء ليتحول الطابور لبحيرة من دماء الأبرياء.
هنا غزة... التاريخ يعيد نفسه ويستعدى من حقبة الابتلاءات قصة سيدنا «يوسف « عليه السلام مع اخوته فالعالم ألقى بأصحاب الأرض فى بئر الخذلان تقاسموها عبر الشاشات بتحليلات الاستوديوهات المكيفة غير عابئ بصرخات الابرياء تحت جنازير دبابات مغول العصر وتتاره ضمن خطة محكمة صغيت فى البيت الامريكى الصهيونى الغربى العالم المتخاذل يقسم غزة على مائدة مصالحه يبتر الأرواح بقنابله، ويسترضى الغاضبون ببيانات « البنج» لمنظماته اللانسانية.
فى غزة حرب على الحرث والنسل ابادة جماعية وتطهير عرقى الجميع يحاول الهروب من الموت الرحيم إلى الموت البطىء جثامين وعيون فقدت النور وأطراف مبتورة يضطر الأطباء لخلع المثبتات من مرضى بعد شفائهم وتعقيمها لإعادة استخدامها لآخرين، وحتى هذه لم تعد متوفرة منهم بحاجة لتثبيت عظام، لكنهم عاجزون عن إجراء العمليات بسبب هذا النقص الكبير.
تدفع عصابات الهاجاناة الصهونية أهالى القطاع للتهجير بالنار والبارود والنسف والتدمير مخيمات وسط قطاع غزة ومواصى خان يونس المكتظة، فيما يعلو صوت الناس يعلنون رفضهم المغادرة، ويزداد تخوفهم من أنهم إن خرجوا منها فلن يعودوا إليها مرة أخرى.
فى غزة.. الجوع بات ينهش الأجساد وكثيرون فقدوا عضلاتهم بسبب سوء التغذية الحاد، الناس كلهم جائعون، وكلهم ينادون ويستغيثون، لكن لا أحد يسمع، ولا صحفى واحد يسمح له بالدخول من خارج غزة لنقل الحقيقة فى الوقت الذى نصب فيه قوات الاحتلال مقاصل الموت للصحفيين الفلسطينيين لمنع توثيق جرائمهم وابادتهم للشعب الفلسطينى وهى أبشع ما حدث فى العصر الحديث
لم تعد مشاهد المجاعة فى غزة مجرد تقارير أممية أو تحذيرات حقوقية، بل صارت الحقيقة الأكثر مرارة فى واقع القطاع، حيث يرسم الموت بالبطء، وينفذ الحصار بدقة القناصة.
أقسى من الخيال كان ذلك وصف الطبيب الأمريكى «فرحان عبدالعزيز» الذى دخل غزة ضمن فريق طبى تطوعى المشهد فى غزة» مؤكدا أن الجوع والدمار تجاوزا حدود التصور، وأن ما رآه من مشاهد موت وبؤس لا يمكن للعالم أن يلتزم الصمت حياله بعد اليوم. مستنكرا تواطؤ الولايات المتحدة الامريكية والعالم فى تلك الجريمة النكراء.
يقول « عبدالعزيز»حين تتحدث الأرقام عن مأساة، تبقى العيون وحدها قادرة على رواية ما هو أفظع، الطبيب عبدالعزيز لم يأت إلى غزة زائرًا، بل شاهدًا، وبينما كانت الأجساد تستغيث، والأنين يعلو فى أروقة بلا دواء، كان صوته يرتجف وهو يقول: “رأينا ما يفوق الخيال.. الناس يموتون بلا سبب».