رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

 

من قصر شهريار إلى البيت الأبيض

بعد أن سحب الليل آخر ذيوله، مفسحًا الطريق لنور الفجر كي يضيء الكون، دبَّت الحركة في قصر شهريار. انتشر الخدم والحشم والحراس – كخلية نحل – يجهزون الأمتعة والملابس والكتب والطعام والشراب، وكل ما ستحتاجه الأميرة شهرزاد في رحلتها الغامضة.

ورغم هذه الحركة الصاخبة، خيَّم على القصر جو من الحزن والأسى؛ فلأول مرة ستغادر الأميرة مملكة شهريار إلى المجهول. لأول مرة تفارق أهلها وأحبتها وأصدقاءها، وهي التي نجحت في أن تحوّل شهريار من سفّاحٍ يتزوج امرأة كل ليلة ليقتلها، إلى إنسان عادل كريم، نصيرٍ للمستضعفين ومدافعٍ عن الحق والحقيقة.

وقف الموكب على أهبة الاستعداد، بينما بدت شهرزاد مشرقة، تحاول أن تبدّد غيوم الحزن بنظرتها الواثقة وأناقتها اللافتة. كانت ترتدي ثوبًا حريريًا فضفاضًا مطرزًا بالذهب، تعلو صدرها عقود الألماس، وتزين معصميها أساور منقوشة بالخط العربي، وفي أذنيها لآلئ ومرجان. وعلى جانبيها وقف أبوها الوزير أزاد، وأختها دنيا زاد، يعلوهما القلق والدهشة.

همس الوزير لابنته بحزن:
–- ما زال الوقت أمامك يا شهرزاد، راجعي نفسك قبل فوات الأوان. هنا أنتِ عزيزة مكرّمة، أمرك مطاع، فلماذا تسافرين؟ ومن يضمن لك المكانة نفسها في أرض غريبة؟

أجابته بثبات:
–- لقد عزمت أمري يا أبي، ولا أريد منك سوى الدعاء.

تساءلت دنيا زاد:
- لكن إلى أين وجهتك؟ ومن ستقابلين؟

قالت شهرزاد:
-سأسافر عبر الزمن إلى القرن الحادي والعشرينأريد أن أواجه رجلاً يشبه شهريار في طغيانه، يسئ استخدام السلطة ويغض الطرف عن القتلة، وبذلك فهو قاتل مثلما كان شهريار. سأحاول أن أغيره وألين قلبه كما فعلت مع زوجي الحبيب .

اعترضت دنيا زاد:
- ولكن يا أختاه، لكل زمنٍ حكمه. ما نفع حكاياتك في عصر الطائرات والأسلحة النووية؟ ما كان ينفع بالأمس، هل يصلح للغد؟

ابتسمت شهرزاد:
- صحيح أن الأسلحة تغيّرت، من الخيول والرماح إلى الصواريخ والطائرات، لكنهناك شيئًا لا يتغير :الحب.الإنسان لا يعيش إلا بالحب، وفي الحب، وللحب .

قال الأب متعجبًا:
- ومن هذا الرجل؟

أجابت:
- اسمه دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة، الرجل الذي يأمر فيُطاع، بيده إيقاف الحروب أو إشعالها. لكن اللوبي الصهيوني يقيده، يوجه قراراته، ويستبيح دماء الأبرياء، خصوصًا في غزة.

ساد الصمت لحظة، ثم قال الأب بحزن ممزوج بالرضا:
- طالما نيتك الإصلاح، فالله معك. سافري، وقلوبنا معك.

ركبت شهرزاد "بساط الزمن"، وفي لحظة عبرت العصور والحضارات حتى هبطت في واشنطن. هناك شدّها جمال المباني العريقة والأنصبة التذكارية وحدائق "النشونال مول"، لكن كل ذلك لم ينسها هدفها: دخول البيت الأبيض لمقابلة الرئيس.

اندسّت بين الصحفيين في أحد مؤتمرات ترامب، وهناك لفتت أنظار الجميع بجمالها وأناقتها، حتى الرئيس نفسه أخذ يرمقها بنظرات إعجاب. لكنها لزمت الصمت، تؤجّل سؤالها يومًا بعد يوم، حتى استدعاها ترامب في النهاية ليسألها عن سر حضورها.

قالت بثبات:
- أنا شهرزاد. أتيت من الشرق لأحدثك عن غزة. لماذا تمنحون إسرائيل حق الأمن والحياة، بينما تتركون غزة للجوع والقتل والحصار؟ أليست العدالة واحدة؟

غضب ترامب:
- غزة مليئة بالإرهابيين!

قاطعتْه شهرزاد بحزم:
- هؤلاء مقاومون، وُجدوا لأن أرضهم محتلة. إسرائيل اغتصبت الأرض، بنت المستوطنات والجدران العازلة، وانتهكت القانون الدولي، بينما الولايات المتحدة صامتة.

أطرق ترامب لحظة، ثم قال:
- اللوبي اليهودي يقيدني… لكن امنحيني وقتًا لأفكر.

قالت:
- إذن سأقصّ عليك كل ليلة حكايات غزة، لعل قلبك يرقّ كما رقّ قلب شهريار.

ومنذ ذلك اليوم، صارت شهرزاد زائرة البيت الأبيض، تروي لترامب مآسي غزة كل ليلة. ومع مرور الوقت، رقّ قلبه وتأثر بكلماتها، حتى صار يقول لها:
- لقد تعودت صوتك حتى لم أعد أحتمل فراقك.

وذات مساء، همس لها:
- أريد أن أتزوجك.

ابتسمت بحزن:
- طلبك شرف لأي امرأة، لكنني متزوجة… زوجي شهريار. أنا من الماضي، وأنت من الحاضر. لا يجوز أن نكون لبعض، لكن يمكن أن نتعلم من بعض.

انفجر ترامب غاضبًا:
- خدعتني!

قالت بهدوء:
- لا يا سيدي، أنت الحاضر الذي سيصبح ذكرى، وأنا الماضي الذي انتهى. غيّر ما استطعت، فالأرض تحتاج إلى السلام أكثر من الحرب.

ثم غادرت، تاركة ترامب يصرخ بأوامر وقف الحرب في غزة. لكن المشهد انقلب فوضى، الكل يصرخ ويقاتل، وأنا بينهم. لا أعرف كيف وصلت إلى هناك، ولا مع من أنا أو ضد من. حاولت الهرب فلم أستطع.

صرخت:
- أنقذوني!

فإذا بابنتي توقظني وهي تقول:
- ما بك يا أبي؟ بماذا كنت تحلم؟

أدركت أنه مجرد كابوس، فحمدت الله أنه مرّ بسلام، واستعذت من الشيطان، وأعددت نفسي ليوم جديد أرجو أن يكون مشرقًا بالأمل.

د. طارق عباس