رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

قضية ورأى

إذا كنت متدينا، فإن النحاس باشا تسبب فى أزمة مع الملك فاروق، عندما تأخر عن موعد حلف اليمين بسبب صلاة العصر، إذ فضل أداء الصلاة أولا ثم الذهاب إلى قصر عابدين متأخرا نصف ساعة قائلا: «ميعاد ربنا أهم من ميعاد الملك».
وإذا كنت وطنيا، فإن مصطفى النحاس هو من ألغى معاهدة 1936 مع بريطانيا وبدأ الكفاح المسلح ضد الإنجليز، مخاطبا الشعب المصري: «باسمكم وقعت المعاهدة وباسمكم أعلن اليوم إلغاءها». وكانوا يطلقون عليه نبى الوطنية.
وإذا كنت قوميا، فإن النحاس باشا هو من رفض مرارا فصل السودان عن مصر، وكانت المفاوضات مع الإنجليز فى عهده تتحطم على صخرة السودان، متبعا إياها بمقولة : «تقطع يدى ولا يفصل السودان عن مصر».
كما أن فكرة تأسيس جامعة الدول العربية تعود إلى النحاس باشا الذى دعا فى عام 1944 إلى اجتماع مع رئيس وزراء سوريا جميل مراد بك ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية بشارة الخورى لمناقشة الفكرة.. وقد تم التوقيع على ميثاق الجامعة العربية من قبل مندوبى الدول العربية فى 22 مارس 1945.
وإذا كنت ديمقراطيا، فإن النحاس باشا، هو من تمسك بالدستور والحريات، رغم الظلم الفادح الذى تعرض له مرتين، الأولى فى العهد الملكى، والأخيرة فى عهد ما بعد 23 يوليو.
رفض النحاس، فكرة إلباس الملك فاروق ثوب الخليفة، وأجهض محاولة تحويل حفل تنصيب الملك الشاب الصغير، من حدث دستورى عادى إلى حدث دينى مقدس.
فبعد وفاة الملك فؤاد يوم 28 أبريل عام 1936، تولى ابنه الملك فاروق عرش مصر فى 6 مايو 1936 تحت مجلس وصاية، حتى يبلغ سن الرشد أى 18 عاما ميلادية كان سيتمها فى 11 فبراير 1938.
لكن وبناءً على فتوى من شيخ الأزهر، مضمونها أن عمر الملك المسلم يُحسب بالتقويم الهجرى، فقد بلغ فاروق سن الرشد فى يوليو 1937، وعليه أن يتسلم الحكم مبكرا بنحو 7 أشهر.
المهم أن الوصى على العرش الأمير محمد على كان يبحث فى كيفية تحطيم شعبية النحاس باشا، وأراد استخدام الدين لكسر الديمقراطية، فى حدث متكرر اعتاده كثيرون قديما وحديثا.
اقترح الأمير محمد على، إقامة حفلة دينية كبرى يتوج فيها الملك فاروق، بالإضافة إلى حفلة أداء اليمين أمام البرلمان.
كان ترتيب الحفلة أن يقف الشيخ محمد مصطفى المراغى شيخ الأزهر بين يدى الملك ويدعو له، ثم يقدم له سيف الجد الأكبر محمد على باشا، فى استحضار لمشاهد تنصيب السلاطين والخلفاء.
واجتمع علماء الأزهر واستقر رأيهم على إرسال برقيات تأييد للأمير محمد على، على اقتراحه، كما لقيت الدعوة تأييدا من جماعة الإخوان المسلمين، وهى الفاشية المعادية للوفد.
لكن النحاس باشا رفض، وأكد لأحمد حسنين باشا، أن الحفلة المرتقبة هى «مخالفة للدستور»، ويجب أن يؤدى الملك اليمين الدستورية تحت قبة البرلمان وفقا للدستور.
وبعد سجالات، انتهت الأزمة بموافقة الملك الشاب على أداء قسم اليمين أمام البرلمان فقط، وأن يزور قبر الجد الأكبر محمد على باشا دون أى مظهر ديني.
المثير أن علاقة الود الشديدة بين الشيخ المراغى والملك فاروق، انقلبت بعد رفض الأزهر اصدار فتوى تحرم زواج الملكة فريدة بعد طلاقها من فاروق.
كما أن علاقة الدعم الشديدة بين الإخوان والملك، انقلبت إلى معارك دموية سقط فيها النقراشى والبنا وغيرهم، برصاص الحرس الحديدى للملك والتنظيم الخاص للإخوان المسلمين.
كان النحاس متدينا ووطنيا وعروبيا وديمقراطيا، بعلم وعمل دون مزايدة أو اضمحلال فكرى.
ومن المؤسف أن الأسبوع المقبل ستمر الذكرى الستون لرحيله، 23 أغسطس 1965، مع ذكرى رحيل المعلم سعد باشا فى 23 أغسطس 1927، بينما الدولة لم تنصفه حتى الآن.
قاد النحاس كفاح الشعب من 1927 حتى حل الأحزاب السياسية 1954، لكن طوال هذه الفترة ورغم الأغلبية الكاسحة، إلا انه لم يحكم طوال 27 عاما سوى أقل من 7 سنوات من 1928 لسنة 1930، ومن 1936 لسنة 1937، ومن 1942 لسنة 1944، ومن 1950 لسنة 1952.
إنه حقا الزعيم المفترى عليه.