مسار القهوة
تتيح شبكة الإنترنت من خلال ما توفره من تطبيقات عديدة ومتنوعة فرصا حقيقية للأفراد والجماعات للتعبير عن آرائهم لدرجة أن كل فرد أو جماعة يستطيع أن يمتلك محطة إذاعية أو مدونة أو صفحة أو حساب على أحد مواقع التواصل الاجتماعى مثل: الفيس بوك والتويتر واليوتيوب والتيك توك؛ يعبر من خلالها عن توجهاته وآرائه، وبذلك «أصبح الإنترنت بمثابة منتدى قوى وإيجابى لحرية التعبير يستطيع الفرد من خلاله أن يوصل صوته إلى أبعد مما قد تتيحه أى وسيلة أخرى»؛ أى أن كل مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعى أصبح قادرًا على صنع محتوى خاص به، ونشره لعدد لإنهائى من المتابعين.
وفى السنوات الأخيرة قد اقترن انتشار صانعى المحتوى على عديد من تطبيقات الإنترنت – وبوجه خاص تطبيق التيك توك-؛ بكثير من المشكلات التى مثّل بعضها قضايا شغلت الرأى العام، وأثارت كثيرًا من الجدل والنقاش حولها، فانقسم المتابعون بين مؤيدين ومعارضين لهم ورافضين لأنشطتهم لأسباب اجتماعية وأخلاقية متنوعة، وقد تفاقمت بعض هذه القضايا لتنتهى إلى محاكمات قضائية وصدور أحكام بشأنها.
وبوجه عام، فإذا كان نشاط صانعى المحتوى على تطبيق التيك توك وغيره من التطبيقات يتم فى ظل غياب أى نوع من أنواع الرقابة على ما يتم نشره؛ فإن صانعى المحتوى عبر هذه التطبيقات، والذين يمثلون القائمين بالاتصال عبر هذا الوسيط الاتصالى الذى لا يخضع لأى رقابة أو سياسة تحريرية؛ فإنهم بهذا المفهوم قد لا يكونون مؤهلين لانتقاء أو طرح الموضوعات والقضايا المختلفة، والتى ثبت أن لها دورًا فعالًا فى ترتيب أوليات القضايا لدى الجمهور، بما قد يؤثر على اتجاهاتهم نحو المفاهيم المتنوعة فى المجتمع، ومن فهم خاطئ لها بما لا يتفق مع ظروف المجتمع المصرى والقيم والمبادئ الراسخة لديه.
كما أن استخدام تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعى لا يقتصر على مجرد التعبير عن مشاهير المجتمع، كما لا تقتصر تأثيرات هذا الاستخدام بالمجتمعات الإنسانية على البناء الاجتماعى لهذه المجتمعات فقط، وإنما تمتد لتشمل التركيبة النفسية لأفراد هذه المجتمعات بوجه عام؛ إذ اقترن استخدام تلك التطبيقات بظهور عديد من التأثيرات النفسية الإيجابية والسلبية داخل المجتمعات الإنسانية، وتنوعت هذه التأثيرات من حيث درجة عمق كل منها، وتجاوزت حدود الحالة المزاجية لمستخدمى تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعى إلى صحتهم النفسية، وإلى إدراك كل منهم لذاته وتقديره لها.
ومن هنا تبرز الحاجة إلى توعية صانعى المحتوى على تطبيقات التواصل الاجتماعى والإنترنت بوجه عام كوسيط اتصالى يمكنهم من خلاله التعرف على مستويات مختلفة وأنماط متباينة من الأفراد والجماعات، وهذا ما يؤكد الحاجة إلى التربية من أجل استخدام أفضل لشبكة الإنترنت بوجه عام، وإلى تنمية قدرة صانعى المحتوى على اختيار المضامين التى يتم نشرها، واختيار ما يتفق منها مع القيم والأخلاقيات الأصيلة التى يجب التمسك بها.
وفى النهاية، يؤكد مفهوم التربية من أجل استخدام أفضل لوسائل الإعلام ولشبكة الإنترنت بوجه خاص، أن المستخدمين فى حاجة إلى أن يكونوا أكثر وعيًا لما يتم التعرض له عبر وسائل الإعلام لا سيما الجديدة منها؛ حتى يكونوا قادرين على فهم الرسائل المقدمة عبر هذه الوسائل، وبالتالى القدرة على مناقشة هذه الرسائل وتقديم تقييم واضح لها، يتوقف عليه مدى وجود تأثير لهذا الرسائل على الميل السلوكى للجمهور.
أستاذ الإعلام المساعد بكلية الآداب–جامعة المنصورة