«الحاجة شربات» قُتلت فى الظلام على يد من أحسنت إليه

المتهم تسلل إليها لسرقتها وأنهى حياتها بعدما شعرت به
جواهرجى كشف القاتل أثناء محاولته بيع ذهب الضحية
فى إحدى ليالى الظلام الدامس الذى خيّم على قرية «منيل شيحة» التابعة لمركز أبو النمرس بمحافظة الجيزة، حيث انقطع التيار الكهربائى لخمسة أيام متتالية، كانت المسنّة «الحاجة شربات» تقضى ساعات الليل وحدها فى شقتها بالدور الثانى، تردد الأدعية المعتادة وتطمئن على أبواب بيتها، لم تكن تدرى أن العطف الذى منحته يومًا ما، سيتحوّل إلى خنجرٍ فى ظهرها.
«الحاجة شربات»، امرأة فى الستينيات من عمرها، أرملة وأم لأبناء يعملون بالخارج، عاشت بمفردها بعد أن أهدت أبناءها إلى بلاد الغربة، ووهبت أيامها للسكينة والعبادة، وكانت معروفة فى قريتها بالطيبة والمساعدة، لم تبخل يومًا على أحد، حتى على ذلك الشاب الذى كانت تعطف عليه، تساعده ماديًا حين يضيق به الحال.
كانت تسكن فى بيت العائلة، فى شقة بالدور الثانى، وتعوّدت ابنة شقيقها أن تطمئن عليها كل صباح، تزورها ببعض الطعام أو الحلوى، تجلس معها قليلاً ثم تعود، لكن صباح الاثنين الماضى لم يكن كسابقيه، فبدلاً من الضحكة والونس، كان الصمت والدماء.
يقول أحد جيران الحاجة شربات: «التيار الكهربائى كان قاطع من أيام.. الدنيا ظلام فى الشوارع وفى البيوت، والناس كلها كانت شغالة على مولدات كهرباء إن أمكن، أو قاعدة فى العتمة».
وسط هذا الظلام، تحرك اللص -الشاب الذى تعرفه القرية كلها- نحو بيت الحاجة شربات، فهو يعرف جيدًا أنها تسكن وحدها، ويعلم أنها تحتفظ ببعض المصوغات الذهبية، وكان واثقًا أن الليل يحميه، تسلل فى حدود الساعة الواحدة بعد منتصف الليل إلى شقتها، هدفه السرقة فقط، كما أقر لاحقًا فى التحقيقات، لكن ما إن شعرت به الحاجة شربات حتى دبّت المفاجأة.
فزع اللص من احتمال انكشاف أمره، فقرر إخماد صوت الضحية إلى الأبد، ارتكب جريمته فى هدوء، أنهى حياة من كانت تعطف عليه، وفرّ هاربًا، تاركًا جثة الحاجة شربات ملقاة على الأرض فى غرفتها، وسط آثار عنف وبعثرة واضحة فى محتويات البيت.
فى صباح اليوم التالى، صعدت ابنة شقيقها كعادتها للاطمئنان عليها، طرقت الباب.. لم يرد أحد، فتحته لتجد مشهدًا لن تنساه ما حييت، جثة عمتها ممددة على الأرض، فى صمت ثقيل كالموت ذاته، صرخت من هول المشهد، فهرع الجيران إليها، ومنهم من انهار من هول المفاجأة.
أبلغ الأهالى الشرطة، وبدأت فرق البحث الجنائى عملها وسط تحدٍّ كبير فانقطاع التيار الكهربائى أوقف كاميرات مراقبة، كما أنه لا توجد شهود بسبب الظلام الدامس، كما لا بصمات واضحة بسبب الظلام لكن الأمل لم يُفقد.
الطرف الذى قلب موازين التحقيقات كان مفاجئًا فأحد تجار الذهب فى المنطقة لاحظ دخول شاب معروف بتعاطيه المخدرات، يعرض عليه مصوغات ذهبية ثمينة للبيع، ارتاب الرجل، خاصة أن المتهم معروف فى القرية، فاتصل بالشرطة وأخبرهم بشكوكه.
طلبت منه الشرطة تأخيره، وما هى إلا دقائق حتى تم ضبطه، وبالتحقيق معه، انهار سريعًا، وأقر بكل شىء «كيف خطط للجريمة، وساعده صديقان فى الدخول للمنزل والسرقة، وكيف أنهى حياة العجوز التى لم تؤذه يومًا».
كانت الصدمة موجعة لأهالى القرية، لكن الأقسى كان لأبناء الحاجة شربات، الذين تلقوا خبر مقتل والدتهم وهم على بُعد آلاف الكيلومترات، أما أسرتها فكانت تبكى وهى تقول: «هى اللى كانت بتساعده وبتحن عليه، ماكنتش تستاهل دى النهاية».
فيما قال أحد الأهالى: «الست دى كانت بركة القرية.. وآخر من يستحق الغدر».
وكان الرائد مصطفى المهدى، رئيس مباحث أبو النمرس، قد تلقى بلاغا من الأهالى بالعثور على جثة سيدة مقتولة داخل منزلها وعلى الفور أمر اللواء علاء فتحى، مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، بتوجيه رجال الأمن إلى مكان البلاغ، ومن من خلال المعاينة والفحص تبين العثور على جثة سيدة تدعى شربات محمد فى العقد الخامس من العمر وتم نقل الجثة إلى مشرحة المستشفى، بينما استمع رجال الامن إلى أقوال شهود العيان والجيران الذين أكدوا أن المجنى عليها لم يكن لها خلافات مع أى شخص وكانت محبوبة من الجميع، وكشفت المعاينة سرقة بعض الأجهزة والمقتنيات من المنزل مما أكد أن الجريمة كانت بدافع السرقة.
ومن خلال فريق بحث قاده اللواء هانى شعراوى، نائب مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، تمكن رجال المباحث من تحديد المتهم والقبض عليه وبمواجهته اعترف بارتكابه الجريمة بدافع السرقة مستغلا انقطاع الكهرباء وانشغال الأهالى بذلك إلا أنه فوجئ بالمجنى عليها داخل المنزل وعندما حاولت الاستغاثة قتلها حتى لا يفتضح أمره.
وتم تحرير محضر بالواقعة وأمر اللواء محمد مجدى أبو شميلة، مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة، بإخطار النيابة التى تولت التحقيق.
