من مكة إلى كل أرض.. الوطن في قلب الرسالة القرآنية
حب الوطن ليس مجرد عاطفة عابرة، بل هو فطرة أودعها الله في النفس البشرية، ورسّخها الإسلام في تعاليمه وقيمه، أشار القرآن الكريم في عدد من آياته إلى ارتباط الإنسان بأرضه ووطنه، وبيّن كيف أن الأرض التي ينشأ عليها الإنسان ويعيش فيها، تظل حاضرة في وجدانه، حتى لو اضطُر إلى مغادرتها.
ورغم أن القرآن الكريم لم يذكر كلمة "وطن" بشكل مباشر، إلا أن المعنى متضمن في كثير من الآيات التي تتحدث عن الأرض، والبلاد، والديار، والارتباط بها والدفاع عنها.
مكة.. موطن النبي ﷺ ومحل حنينه
من أوضح الشواهد على حب الوطن ما ورد في القرآن الكريم عن النبي محمد ﷺ وموقفه من مكة المكرمة. فعندما اضطر إلى مغادرتها مهاجرًا إلى المدينة، عبّر عن شدة ارتباطه بها.
وقد أخرج الترمذي وابن حبان أن النبي ﷺ قال حين خرج من مكة:"والله إنك لخير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت."
وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَىٰ مَعَادٍ}[القصص: 85]
وفسر بعض المفسرين "المعاد" بأنه العودة إلى مكة، في تأكيد على أن العودة إلى الوطن مطلب فطري.
القرآن يربط بين الإيمان والدفاع عن الديار
قال الله تعالى:{وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ...}
[النساء: 75]
ثم قال:{الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ}
في هذه الآية ربطٌ بين الدفاع عن المظلومين وبين الدفاع عن الديار والأرض، وهو ما يرسّخ في المفهوم الإسلامي أن حب الوطن والدفاع عنه ليس مجرد موقف وطني، بل عبادة تؤجر عليها.
حب الوطن لا يتعارض مع العقيدة بل يعزّزها
توضح الآيات أن حب الوطن لا يتعارض مع الإيمان بل يعززه، فالمؤمن الحق يحرص على أمن بلاده، ويسعى لإصلاح مجتمعه، ويضحي في سبيل استقراره. قال تعالى:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ... وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ}[المائدة: 20]
وفي هذه الآية تذكير بنعمة الاستقرار في الأرض كمنّة من الله، مما يدل على أهمية الانتماء للوطن والاعتزاز به.
حب الوطن مسؤولية وسلوك
حب الأوطان في القرآن الكريم ليس مجرد كلمات أو شعارات، بل قيمة تُترجم إلى أفعال: من إعمار الأرض، إلى العمل الصالح، والدفاع عن الكرامة، ونشر الخير فيها.
وفي زمن تتعدد فيه التحديات وتُمحى فيه الهويات أحيانًا، يبقى الرجوع إلى القرآن الكريم مرشدًا لكل من أراد أن يحب وطنه بحق، ويخدمه بصدق، ويحميه بإيمان.
