رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

ماعاد فى أرواحنا متسع من الوجع... طائر لبنان الحزين فل

نعمة عز الدين تكتب: لا أحد من الناس عم يسألك ياست «فيروز » عن «زياد» حبيبك

بوابة الوفد الإلكترونية

وجهها الحاد الملامح لا يشى بالكثير.. تصمت كعادتها مع كل ضربة قدر تقصم الظهر والروح، لم نعرفها منذ أن احترفت الغناء كامرأة تعشق وتحب وتنهار وتضعف، بل كتمثال فينيقى شامخ يتحدى الزمن ولحظات الانكسار، يتراءى لك من بعيد يعانق السماء، ولكن كلما اقتربت منه تذهلك كم النتوءات والشروخ المنتشرة بداخله.
هكذا كانت «جارة القمر» المطربة الكبيرة «فيروز» وستظل نوعًا من الحزن النبيل، وحكاية لبنانية تروى على لسان من حولها.
اليوم وهى السيدة الثمانينية تتلقى خبر رحيل روح روحها.. ابنها البكرى «زياد الرحبانى» عن عمر أخذ من عمرها تسعة وستين عامًا مليئة بحنان الأمومة، شطحات الفن، والكثير من الإبداع.
حينما كان زوجها الملحن الكبير وأحد قطبى الأخوين الرحبانى « عاصى» فى المستشفى يصارع المرض، لم تحزن عليه كحزن النساء، ولم نرَ دموعها، بل وقفت على خشبة المسرح عام 1973 تشبك يدها بيد ابنها «زياد الرحبانى» ابن السابعة عشرة، تغنى من ألحانه: سألونى الناس عنك يا حبيبى
كتبوا المكاتيب وأخدها الهوا
بيعز عليَّ غنى يا حبيبى
ولأول مرة ما منكون ســـوا.
لتبدأ علاقة من نوع خاص بين أم تمنح صوتها الاستثنائى لابن يحمل موهبة تتجاوز سنه.
يكبر «زياد الرحبانى» ويشارك أمه الست «فيروز» فضاءها الإبداعى، فبيتها ليس ككل البيوت، بل هو باحة ممتلئة طوال الوقت بالملحنين والموسيقيين والأغانى، وأيضًا تعشش بين جدرانها مشاعر الفقد والغياب.
فتتشكل شخصية «زياد» الابن من خليط عجيب من الشجن والتمرد والتوهج، كفنان وملحن ومسرحى وكاتب اشتهر بموسيقاه الحديثة وتمثيلياته السياسية الناقدة.
حنان الست «فيروز» على ابنها «زياد» مختلف، فهى لا تتحدث عنه فى وسائل الإعلام، ولا تسوق لمشاريعه الفنية، بل تفعل ما هو أعمق وخاص، تمنحه بصمة أمومتها بغناء ألحانه، لتهبها الخلود والاستمرارية، هى صوت عقله الساحر، حتى تجاربه العاطفية العابرة اعترف بها لأمه الست «فيروز» كتابة ولحنًا لتغنيها، مانحًا حياتها الصعبة القليل من المرح والبهجة، ففى عام 2018 أجرى راديو «إينرجي» حوارا حصريا مع الموسيقار الكبير «زياد رحبانى»، على هامش وجوده فى القاهرة من أجل إحياء حفل بمركز المنارة للمؤتمرات بمنطقة التجمع الخامس، وقد أجرت الحوار سارة المنذر، حيث كشف «رحباني» لـ«المنذر» أن أغنيته الشهيرة «ع هدير البوسطة»، لحنها فى باص المدرسة، وأنها صنعت فى الأساس لفتاة مصرية اسمها «ليلى» بدلا من «عليا»، التى قال لها فى الأغنية «يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين».
هذه الأغنية الشهيرة للأم «فيروز« والابن «زياد» «ع هدير البوسطة» تصور ببراعة وصف رحلة أتوبيس من ضيعة حملايا لضيعة تنورين بلبنان، فيهرب الراوى «ابنها زياد» إلى عيون عليا، كما تقول الأغنية «تذكرتك يا عليا.. وتذكرت عيونك، يخرب بيت عيونك يا عليا شو حلوين»، فالمقصود «بالبوسطة» هنا هو الباص القديم الذى يحمل الناس ذهابا وإيابا من قرية إلى أخرى.
اليوم يرحل أول وليد للست «فيروز»، ابنها البكرى الموسيقار الكبير «زياد الرحبانى» فى العاصمة اللبنانية بيروت، بعد معاناة طويلة مع مرض تليف الكبد، الذى تدهورت حالته الصحية بسببه خلال الأشهر الأخيرة من حياته، فلم يتحمل جسده النحيل العلاج الطويل وأصبح غير قادر على الاستجابة له فى المراحل الأخيرة.
وأخيرًا لن يسألك الناس ياست «فيروز» عن حبيبك «زياد».. هل تعرفين لماذا؟ لأن عشاقك الفيروزيين يريدون ان تفقدى الذاكرة، وان تصابى بالخرف الرحيم، ان تتلف محطات العمر ليتوقف هذا الصخب الحزين من حولك، فلا تعودى تعرفين شيئًا عن الوداع المهيب «لزياد»، حينما نقلوا جثمانه إلى مسرح المدينة فى بيروت، وهو المكان الذى شهد العديد من عروضه المسرحية وأحلامه وأفكاره.
نريد لكِ ذاكرة مراوغة تستدعى ونسه ومحبته وعناقه الطويل بين ذراعيكِ، أما هذا الحشد الكبير الذى نعاه فلن يعوضك غيابه فى الليالى المقبلة.
لا تشاركى فى مرثيته مع الرئيس اللبنانى جوزيف عون ورئيس الحكومة نواف سلام، إضافة إلى فنانين عرب من مختلف الدول، مثل مارسيل خليفة، ماجدة الرومى، وغادة شبير، الذين وصفوه بأنه «واحد من آخر الأصوات الحرة التى مزجت بين الفن والموقف».
فلم يعد يهم ان عددًا من الجامعات اللبنانية أطلقت مبادرات لتوثيق أعماله، وأعلنت وزارة الثقافة اللبنانية عن نيتها تحويل بعض نصوصه المسرحية إلى مواد دراسية تُدرّس ضمن مناهج النقد المسرحى والموسيقى.
فلتسقط الليالى والأمكنة، نتمنى الا تتذكرى اعتذارك عن عدم حضور معرضِ دمشق الدولى، والغناء على خشبة مسرحه يوم 23 سبتمر 1958. وكان السبب كما قيل للجمهور السورى فى حينِها مرضَ ابنك الرضيعِ «هلي» الذى أُصِيبَ بمرضِ السحايا.
لا تتذكرى يا ست «فيروز»، لكننى سأنقل ما كتبه بالنص أحد عشاقك على صفحته على الفيس بوك، ليبعث بتحية من دمشق لفيروز الأمّ، ولفيروز الأسطورة، والهدف من النقل ليس لتتذكرى انت، بل لنكتشف نحن الفيروزيين المسكوت عنه فى حياتك المليئة بالأضواء والنجومية.
ففى ذلك الوقت وانت فى قمة مجدك وشهرتك ثارَت إذاعة دمشق، وثارَت معها «دمشق المساء» و«الفيحاء» و«الأيام» و«الإنشاء،» غضب الفيروزيّون السوريّون من غيابِ نجمتِهم المفضَّلة عن المعرض، وتجمْهروا أمام شباك بيع التذاكر رافضين التعويضَ المادّى، مُطالبين بحضور فيروز، وإلّا…
وكتبَت مجلة الصياد يومها:
«قامت الدنيا ولم تقعد بعد. دمشق كلُّها تريدُ أن ترى فيروز تغنّى. أهلُها سيَهُبّون جميعًا ليقولوا لها: إنهم أنفسهم طفلها».
معظم من دفع ثمن تلك البطاقات لم يعُدْ معنا اليوم، فقد غيّبَهم الموت منذ سنوات طويلة، ومن بقى على قيد الحياة نسيَ القصّةَ تمامًا…حتى ظهر «هلى الرحباني» يوم أمسِ برفقة أمِّه وشقيقِه زياد فى إحدى كنائس بكفيّا فى ذكرى رحيل والده الموسيقار الكبير عاصى الرحبانى.
ظهرَ مُقعَدًا وهو من أصحاب الهِمَم، ماسكًا بيدِ والدتِه، مُذكِّرًا الجميعَ بأن اعتذارها عن حفلة دمشقَ…قبل أربعةٍ وستّينَ عامًا…كانَ لسبب مُقنِع ونبيل..
وأخيرًا ندعوا اللطيف الخبير بالصدور والقلوب ان تستيقظى فى الصباح فاقدة الأحداث والتواريخ، ان تسقط من ذاكرتك ليلة يناير الحزينة عام 1988، حينما اعتصر قلبك الرهيف الموت، وغيب عنك ابنتك «ليال» ذات التسعة والعشرين ربيعًا، نتيجة انفجار فى المخ كوالدها «عاصى الرحبانى».
تبدو أمنية إصابة الست «فيروز» بفقدان الذاكرة «فى ظاهرها شريرة، ولكن بيكفى رسولة حالنا بالغناء، فماعاد فى أرواحنا متسع من الوجع عليكِ.