السويداء تحت النار.. اشتباكات دامية وتحذيرات من الانزلاق الطائفي

في الجنوب السوري وعلى وجه التحديد في مدينة السويداء، الأرض باتت تهتز تحت أقدام أهلها، والقلق يتصاعد من بين ركام الرصاص والقذائف، السويداء، المدينة الجبلية التي طالما عُرفت بهدوئها وثباتها، تجد نفسها اليوم في قلب العاصفة، بين نار الفصائل وسخط العشائر، تسيل الدماء على الطرقات، ويعلو هدير الاشتباكات فوق صوت الحياة.
في مشهد تتقاطع فيه الجغرافيا بالتاريخ، ويختلط فيه الخوف بالغضب، يوشك فتيل الفتنة أن يشتعل، فهل من إطفاءٍ قبل الانفجار؟
وفي ظل تصاعد التوتر بين الطائفة الدرزية، وعناصر من عشائر البدو من جهة أخرى، يشهد الشارع في السويداء، حالة من الذعر جراء تبادل إطلاق النار وقصف بقذائف الهاون، ما أسفر عن ارتفاع عدد القتلى إلى 89 شخصًا، فضلاً عن عشرات الجرحى، بحسب مصدر طبي في المستشفى الوطني بالمدينة.
ووفقًا للمصدر ذاته، فإن العديد من الإصابات خطيرة، نتيجة الأعيرة النارية أو شظايا القذائف، مع احتمالية ارتفاع الحصيلة في ظل وجود حالات حرجة، في وقت تعاني فيه المنشآت الصحية من نقص حاد في وحدات الدم، ما استدعى توجيه نداء عاجل إلى الأهالي للتبرع.
الاشتباكات تأتي على خلفية توترات متراكمة منذ شهور، وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين بتنفيذ عمليات قطع طرق واعتداءات.
وبدورها، دعت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز إلى التهدئة وضبط الأمن، مطالبة بإبعاد "العصابات الخارجة عن السيطرة"، مع تأكيد حق أبناء المحافظة في الدفاع عن أنفسهم دون الانجرار نحو الفوضى أو الفتنة.
كما ناشدت القيادات المحلية التحلي بالحكمة ورفض الانجرار وراء خطابات التفرقة، بينما أعلنت قوى الأمن الداخلي في محافظة درعا بدء انتشارها على الحدود الإدارية مع السويداء بهدف الحد من تمدد الصراع.
الجيش السوري يدخل السويداء لأول مرة منذ سنوات
في المقابل، أعلنت وزارة الدفاع السورية، الثلاثاء، أن وحدات من الجيش بدأت دخول مدينة السويداء جنوب البلاد، في تطور هو الأول من نوعه منذ تراجع سيطرة الدولة على المدينة ذات الغالبية الدرزية في السنوات الأخيرة.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، أوضحت إدارة الإعلام والاتصال في الوزارة أن "قوات الجيش السوري بدأت التوغل في المدينة"، في خطوة تهدف إلى "استعادة الأمن وفرض الاستقرار".
وأشار بيان الجيش إلى أن "مجموعات خارجة عن القانون" تحاول الانسحاب نحو الأحياء الداخلية، في محاولة لتفادي المواجهة، مؤكدًا استمرار العمليات العسكرية لضبط الأوضاع.
كما دعت وزارة الدفاع الأهالي إلى الالتزام بمنازلهم، والإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة، محذرة من لجوء تلك المجموعات إلى المباني السكنية لاستخدامها كنقاط هجوم.
الرئاسة الروحية للدروز ترفض دخول القوى الأمنية وتطالب بحماية دولية
وفي موقف لافت، أعلنت الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين الدروز، رفضها القاطع دخول أي جهة أمنية إلى السويداء، بما في ذلك الأمن العام السوري، متهمة بعض هذه الجهات بالتواطؤ مع فصائل تكفيرية واستخدام طائرات مسيّرة وقذائف لاستهداف القرى الحدودية.
وحملت الرئاسة، في بيان نشرته عبر صفحتها الرسمية، كافة الجهات التي تحاول الزج بالقوى الأمنية في المدينة المسؤولية عن أي تصعيد، مطالبة بتدخل دولي لحماية المدنيين ومنع سفك المزيد من الدماء.
المجلس العسكري في السويداء: لن نسمح بفرض الفوضى أو تقسيم الجبل
من جانبه، أصدر المجلس العسكري في السويداء بيانًا أكد فيه أن المحافظة لأبنائها ولن يحكمها من يخرج عن قيمها، محذرًا من مشاريع الفتنة التي تستهدف النسيج الاجتماعي في جبل العرب.
وقال المجلس في بيانه: "لن نكون لقمة سائغة لمخططات التقسيم أو الفوضى"، داعيًا إلى توحيد الصفوف والتكاتف، ورفض الخطاب الطائفي والتحريضي، والتمسك بالقيم التاريخية القائمة على الكرامة والشرف.
كما شدد على أن مسؤولية الدفاع عن الأرض والأهالي مسؤولية جماعية، مطالبًا بترسيخ الاستقرار ومواجهة كل من يحاول تهديد السلم الأهلي.
الداخلية السورية تفرض حظر تجول في المدينة
وفي تطور أمني متزامن، أعلنت وزارة الداخلية السورية فرض حظر تجول شامل في شوارع السويداء بدءًا من صباح الثلاثاء وحتى إشعار آخر، في إطار الإجراءات المتخذة لضبط الأمن ومنع تفاقم الأوضاع.
وصرّح قائد الأمن الداخلي في السويداء، العميد أحمد الدالاتي، أن قوات من وزارتي الداخلية والدفاع بدأت دخول مركز المدينة بهدف حماية المدنيين واستعادة السيطرة على المنطقة.
وطالب الدالاتي سكان المدينة بالتزام منازلهم، والتعاون مع الجهات المعنية، محمّلًا القيادات الدينية والفصائل المسلحة مسؤولية التعاون لتأمين الاستقرار ومنع استخدام المباني السكنية لأغراض القتال.
وأعادت هذه الأحداث للأذهان مشاهد العنف الطائفي التي شهدتها مناطق جنوب دمشق في مايو الماضي، عقب انتشار تسجيل صوتي منسوب لرجل درزي يحتوي على إساءات دينية، ما فجّر حينها اشتباكات دامية.