نظره امل
فى كل مرة يتحدث فيها الرئيس عبدالفتاح السيسى عن ليبيا، تتجاوز كلماته الدبلوماسية التقليدية إلى ما يشبه رؤية دولة، لم تكن دعوته الأخيرة للاهتمام بإعادة إعمار ليبيا ونقل الخبرات المصرية مجرد تعبير عن موقفا سياسيا، بل كانت بمثابة تأكيد على إدراك عميق لحجم الفرصة والتحدى معا.
ليبيا ليست فقط دولة شقيقة، لكنها دولة ترتبط بمصر بعلاقات تتجاوز حدود الجغرافيا إلى ما هو أعمق، التاريخ واللغة والمصير، ومن هنا فإن الحديث عن إعادة الإعمار لا ينفصل عن مفاهيم الأمن القومى والامتداد الحضارى، بقدر ما يعبر عن وعيا استراتيجيا بأن ليبيا المستقرة هى إضافة مباشرة لمعادلة الاستقرار فى مصر.
مصر خلال العقد الأخير تراكمت بها خبرات كبيرة فى مجالات البنية التحتية والتنمية الحضرية والطاقة والمياه، ونجحت فى بناء مشروعات قومية عملاقة فى وقت قياسى هذه التجربة لم تعد محلية فقط، بل يمكن تصديرها إلى دول تبحث عن بداية جديدة بعد سنوات من الحرب والانقسام، وليبيا فى القلب من هذه الدول.
الفراغ فى ليبيا ليس فقط فراغا فى السلطة بل فراغ فى المؤسسات، وفى شبكات الخدمات، وفى الرؤية المستقبلية. وهنا يمكن لمصر أن تلعب دورا مركزيا ليس بوصفها دولة جوار فقط، بل بوصفها الدولة الوحيدة فى الإقليم التى تمتلك نموذجا تنمويا حقيقيا قابلا للتطبيق وقادرا على التكيف مع التحديات الليبية.
إن ما يحدث فى ليبيا اليوم ليس شأنا داخليا منعزلا بل هو مفترق طرق تتقاطع فيه المصالح الإقليمية والدولية بين من يسعى لإعادة البناء، ومن يراهن على استمرار الفوضى، ومصر بما لها من وزن تاريخى وقدرة تنفيذية مطالبة بأن تتحول من موقع المتفرج إلى موقع الفاعل فاللحظة الراهنة لا تحتمل التردد والفراغ فى ليبيا لن يظل شاغرا طويلا ومن يسبق فى الإعمار، يسبق فى التأثير ومن يزرع التنمية يجنى الاستقرار، وعليه، فإن دخول مصر إلى ملف إعادة إعمار ليبيا ليس منّةً ولا مغامرة، بل ضرورة قومية ومصلحة استراتيجية..
حفظ الله مصر حفظ الله الجيش