لازم أتكلم
بغض النظر عما حدث فى المسرحية الكوميدية الهزلية، التى شهدها مجلس النواب الأسبوع الماضى، من وثبة مفاجئة، ووصلة تصفيق حاد وقوفا من جميع النواب لرئيس المجلس وهو يوبخ الحكومة؛ لعدم جاهزيتها وفشلها فى تقديم أرقام واقعية وبيانات حديثة عن المستأجرين الأصليين، ثم ما شاهدناه من تحول تام عكس الاتجاه فى اليوم التالى من نفس نواب الأغلبية وهم يرفعون أيديهم بالموافقة وقوفًا أيضًا على قانون طرد المستأجرين ـ بعض النظر عن كل ذلك ـ تبقى المخاوف قائمة حتى يأتى يوم الطرد الأكبر عند انتهاء مدة السنوات السبع، والسبب «الخلو» الذى دفعه المستأجر للمالك وما قام به من تجهيز وتشطيب وما أنفقه على الوحدة طيلة مدة الإيجار.
والدليل على ماأقول، انتشار فيديوهات وتعليقات، يؤكد فيها كثيرون أنهم لن يخرجوا من الشقق التى دفعوا فيها خلوات وكلفتهم دم قلوبهم على مدى ثلاثة عقود وأكثر، مطالبين الرئيس السيسى بعدم التصديق على القانون وإعادته مرة اخرى لمجلس النواب؛ لإلغاء مادة الإخلاء الفورى؛ كونهم لا يثقون بأى حكومة حالية أو قادمة فى مسألة الالتزام بتوفير البديل للمستاجرين الأصليين غير القادرين وأصحاب المعاشات والأمراض المزمنة وذوى الهمم.
وقبل أن أدخل فى مشكلة الخلو التى تجاهلها النواب، أشير فى البداية إلى أننى لست مع طرف ضد آخر، لأن البعض يعتقد أننى مع المستأجر ضد المالك، واتهمنى آخر بأننى صاحب مصلحة ولى شقق إيجار قديم، وأنا من هذا وذاك برىء.
فى الجلسة الأخيرة لانتزاع القانون تجنبا للمخالفة الدستورية، أنقذ المستشار محمود فوزى وزير الشئون النيابية والقانونية والتواصل السياسى الحكومة بمقترح كان متفقا عليه (فى الخباثة) لتعديل المادة «8» من مشروع القانون ويقضى بعدم إخلاء المستاجر الأصلى العين المستأجرة وإلزام الحكومة بتوفير سكن بديل يكون من اختياره وذلك قبل سنة على الأقل من انتهاء مدة السنوات السبع.
المهم أن اقتراح «فوزى» لم يعجب المستأجرين من دافعى الخلوات، أو المقدمات التى كانت فى وقتها ذات قيمة كبيرة، قد تعادل ثمن شقة على الطوب، دفعوها على اساس أنهم لم يتوقعوا خروجهم طالما أنهم ملتزمون بسداد الإيجار المتفق عليه، ولم يرفضوا أي زيادة معقولة تناسب قدراتهم المادية.
وتساءلوا مستنكرين ما ضمانات هذا الاقتراح؟ وربما يكون معهم حق.. فمن أين وكيف ستوفر الحكومة ملايين الوحدات فى عام واحد وفى توقيت واحد، وهى الآن ومن دون تلك الأزمة غير قادرة على تسليم الوحدات السكنية للحاجزين من الشباب وغيرهم فى مواعيدها المعلنة والمحددة ؟ فمن قيل له إنه سيستلم بعد ثلاث سنوات مثلا يتم تسليمه الوحدة بعد خمس سنوات؛ بحجة الدراسة والبحث وتحديد البنك أو جهة التمويل، وغيرها من مبررات واهية!
والخلو كان مجرما قانونا، وهو مبلغ مادى لا يرد ولا يخصم من الإيجار، يأخذه المالك دون أن يثبت ذلك فى العقد؛ مقابل إخراج المستاجر الأول، وفوز المستأجر الجديد بالشقة اللقطة كما يقولون، وكان يتراوح فى ستينيات وسبعينيات القرن الماضى بين 15 الفًا و20 الف جنيه وكان يعادل ثمن نصف شقة تمليك آنذاك، وتحول الخلو فى التسعينيات إلى ما يسمى بمقدم إيجار يدفعه المستأجر؛ لطمانة المالك، على أن يخصم من الإيجار شهريا، إضافة إلى 10 آلاف أخرى للتجهيز والتوضيب؛ مقابل إيجار منخفض 125 جنيها.
ولهذا يطالب كثير من المستأجرين باسترجاع ما دفعوه من خلو، ومقدم، وتكلفة تجهيز، وإلا سيدمرون الشقة ولن يسلموها بسهولة إلى المالك، وهنا ستحدث الواقعة، والكارثة المجتمعية التى نحذر منها، إذا رفض المالك تعويض المستاجر عن خلو يقدر الآن بالملايين.
وللحديث بقية إن شاء الله عن طرق تعويض المستاجرين عما دفعوه من خلو وتكلفة توضيب والنص على ذلك فى اللائحة التنفيذية المرتقبة للقانون الجديد.