(المهمشون 2)
قرى الدقهلية تموت من العطش
فى عمق الريف المصرى، يُفترض أن تكون الحياة أبسط ما تكون، يعيش عشرات الآلاف من المواطنين أوضاعاً مأساوية تتنافى مع أبسط حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق فى الصحة والمياه النظيفة، ورغم جهود الدولة فى تطوير الريف، لا تزال قرى كاملة منسية، لا يصلها من التطوير شىء سوى التصريحات، بينما ينهشها الإهمال من كل جانب.
قرية «كفر الجرايدة»، التابعة لمركز بيلا بمحافظة كفر الشيخ، مثال للمعاناة حيث يواجه أكثر من 52 ألف مواطن واقعاً صحياً صادماً، بعد أن خرج مستشفى الجرايدة المركزى من الخدمة منذ عام 2011، وتحول إلى مبنى مهجور تتناثر حوله الأحلام والآمال التى تلاشت مع غياب الرعاية الطبية، ورغم مرور أكثر من 14 عاماً على إغلاق المستشفى، لم يتم ترميمه أو إعادة تشغيله، ولم تُنشأ بدائل حقيقية تلبى احتياجات المواطنين، الذين باتوا يضطرون لقطع عشرات الكيلومترات بحثاً عن علاج فى قرى ومدن أخرى، وسط مشقة الطريق وتكلفة النقل.
أما فى قرية صهرجت الكبرى التابعة لمركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية، فإن أكثر من 100 ألف نسمة، إلى جانب سكان 26 قرية مجاورة، تحت وطأة انهيار المنظومة الصحية فى مستشفى القرية الوحيد، الذى يُفترض أن يكون ملاذهم الأول عند المرض، لكنه بات عاجزاً عن تقديم أى خدمات تُذكر، لا طوارئ، لا عمليات، لا عناية مركزة، ولا حتى طاقم طبى كافى، حتى تحولت حياة المواطنون إلى صراعاً يومياً مع الألم دون أمل فى الشفاء أو تدخل حكومى يعيد الروح للمكان.
ولا تقل المأساة قسوة فى نحو 20 قرية وعزبة تابعة لمركز تمى الأمديد بمحافظة الدقهلية، والتى تعانى منذ أكثر من شهرين من انقطاع مياه الشرب بشكل شبه كامل، ورغم وصول الاستغاثات إلى المسؤولين، لكن الردّ جاء بصمت قاتل.
وفى ظل غياب الحلول، اضطر المواطنون لشراء مياه من مقطورات عشوائية غير صالحة، مما ينذر بانتشار الأوبئة والأمراض الخطيرة فى أوساط الأطفال وكبار السن.
ما بين مستشفيات مغلقة، وخدمات طبية متدهورة، ومياه مقطوعة، يظل المواطن البسيط هو من يدفع الثمن، فى انتظار صحوة ضمير من مسئول أو قرار ينقذ حياة المواطنين.
تعانى 20 قرية وعزبة تابعة لمركز تمى الأمديد بمحافظة الدقهلية فى مأساة حقيقية أمتدت من شهرين ولاتزال مستمرة حتى الآن بسبب انقطاع مياه الشرب عن هذه المناطق المأهولة بالسكان وسط حالة من الصمت والتجاهل من رئيس مجلس إدارة شركة مياه الشرب بالدقهلية الذى وصلت إليه استغاثات المواطنين لكنه لم يهتم بها وكانت النتيجة المؤسفة تصاعد الأزمة واضطرار المواطنين إلى شراء المياه من مقطورات المياه غير صالحة لنقل مياه الشرب مما يهدد بانتشار الأمراض الخطيرة بين المواطنين.
واتفق الأهالى بأن سبب انقطاع المياه أو ندرتها عن بلادهم هى بعد المسافة بينهم وبين محطة المياه التى تغذى قراهم حيث تصل المسافة إلى 20 كيلو وطالبوا بمد القرى بخطوط مياه ذات أقطار كبيرة تتغذى من محطة مياه قريبة جدا لإنهاء هذه المعاناة التى تشهدها القرى منذ قرابة شهرين وحتى الآن.
أهالى قرى وتوابع الوحدة المحلية بصدقا والسمارة بمركز تمى الأمديد وضعوا العديد من الحلول للأزمة الطاحنة التى يعيشونها والتى اشتدت مع فصل الصيف وارتفاع الحرارة وأعلنوا عن استعدادهم للتعاون مع شركة المياه من أجل إنهاء معاناتهم ومع ذلك لم تجد هذه الاقتراحات صدى من مسئولى شركة مياه الشرب بالدقهلية لتظل المشكلة معلقة حتى إشعار آخر!! وأكدوا أن هذه القرى لم ينزل أحد من المسئولين من شركة المياه بالدقهلية على الطبيعة لبحث مشاكل هذه القرى مع أزمة مياه الشرب وبحث الحلول المناسبة لها على الرغم من المعاناة التى يتعرضون لها.
يقول شعبان عبدالرحمن، أحد الأهالى، إن مشكلة 20 قرية وتابع بمركز تمى الأمديد مع انقطاع مياه الشرب بدأت منذ قرابة شهرين ولاتزال مستمرة حتى الآن فإذا استطاع الناس تحملها فى الأجواء الباردة فماذا يفعلون فى فصل الصيف وخاصة الأطفال وكبار السن؟ وأشار إلى أن الحل الوحيد للأهالى حاليا هو الاعتماد على شراء المياه من المقطورات التى تبيع المياه، حيث يخرج الأهالى بشكل جماعى لشرائها وهم يحملون الجراكن ويعودون بها إلى منازلهم فى مشهد مؤسف لايجب أن يظهر على الاطلاق.
ويضيف إبراهيم البنا، أحد المواطنين، أن المياه لا تصل إلينا ليلا ولا حتى نهاراً رغم الشكاوى المتكررة من انقطاعها لمدير منطقة تمى الأمديد وأيضاً رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالدقهلية، لكن لا أحد استمع إلى هذه الشكاوى، فلم تنزل أى لجنة لمعاينة أصل المشكلة ولم ينزل أيضا أى مسئول لبحث الأزمة على الطبيعة وكانت النتيجة أزمة طاحنة دخلت على شهرين دون أية بوادر لحلها حتى الآن، وقال بأنه يجب الآن تنفيذ حلول واقعية لهذه الأزمة المستمرة التى تعصف بالأهالى عن طريق تشكيل لجنة من شركة مياه الشرب والصرف الصحى بالدقهلية وذلك لمعاينة خطوط المياه التى تصل إلى كافة القرى التى تعانى من أزمة مياه الشرب، وبحث كيفية مد مواسير ذات أقطار مناسبة بحيث تتغذى القرى المحرومة من مياه الشرب من احدى المحطات القريبة فلا يعقل أن تستمر الأزمة طوال هذه الفترة بلا حل.
وطالب نشأت السيد، أحد الأهالى، بضرورة التدخل لإنهاء أزمة مياه الشرب بالقرى المحرومة، حيث بلغت المعاناة ذروتها فى فصل الصيف، ويعانى الجميع منها خاصة الأطفال وكبار السن بصورة لم يسبق لها مثيل فى الوقت الذى تجاهلت شركة المياه حل الأزمة وكأن الأمر لا يعنيها!!
وأشار السيد شعبان إلى أن هذه القرى والعزب التابعة لها تعتمد فى مياه الشرب على مرفق ميت فارس بمركز بنى عبيد بالدقهلية، لافتاً أن المسافة بين المرفق وهذه البلاد والتوابع تقترب من 20 كيلو مما يصعب وصول المياه لهذه المناطق نتيجة طول المسافة وضعف الضغط وزيادة الكتلة السكنية، حيث نعانى من انقطاع المياه حالياً بشكل مستمر ونضطر إلى شراء المياه من المقطورات التى تبيعها لها فى مشهد مأساوى يتكرر يوميا، حيث يقوم الصغار والكبار بالتوجه لهذه المقطورات وهم يحملون الجراكن لشراء احتياجات عائلاتهم من المياه، وطالب شعبان بتدخل محافظ الدقهلية لإنهاء معاناة المواطنين فى هذه البلاد المحرومة من حقها فى مياه الشرب.
وقالت دينا السيد أحمد، إن البديل الوحيد والمناسب لحل مشاكل القرى والتوابع ببلاد الوحدة المحلية بصدقا والسمارة هو توصيل خط مياه بقطر مناسب من محطة القواسم التابعة لمركز كفر صقر بمحافظة الشرقية، حيث أن المسافة بين أقرب نقطة توصيل أقل من 200 متر وهذا هو البديل لحل مشاكل مياه الشرب لهذه البلاد ذات الكثافة السكانية العالية، وبينت بأن المعاناة من اختفاء مياه الشرب بلغت ذروتها هذه الأيام مع ارتفاع درجات الحرارة، وطالبت محافظ الدقهلية بالتدخل لإنهاء هذه المعاناة التى نعيشها وهى معاناة لا تحتمل التأجيل.