نظرة أمل
أصبح تعديل قانون الإيجار القديم أمرًا واقعًا بعد موافقة مجلس النواب، فى خطوة وصفتها الحكومة بأنها تستهدف تحقيق التوازن بين حقوق الملاك وحقوق المستأجرين، ورغم أهمية هذه الخطوة القانونية، فإنها تطرح تساؤلات مشروعة حول جاهزية الدولة للتعامل مع تداعياتها، وقدرتها على تحقيق العدالة الاجتماعية المنشودة دون الإضرار بأى من الطرفين.
فالمصلحة العامة وهى الهدف الأسمى لأى تشريع لا تُقاس فقط بنصوص القانون، بل بما يصاحبها من آليات تنفيذ واقعية وضمانات اجتماعية، ومعظم المستأجرين الخاضعين لعقود الإيجار القديم ينتمون إلى الفئات الأكثر احتياجًا، أصحاب المعاشات، محدودي الدخل، وأسر لا تملك بدائل سكنية وهؤلاء لا يجب أن يكونوا ضحايا التغيير بل شركاء فيه.
وفى المقابل، لا يمكن إنكار وجود حالات غير عادلة استمر فيها البعض فى استغلال العقارات لأغراض تجارية أو مهنية، بأجور زهيدة لا تتناسب مع القيمة السوقية الفعلية، وهو ما يشكل إخلالًا بحقوق الملاك، ويحتاج إلى تصحيح ضمن رؤية متكاملة.
إن نجاح هذا التعديل يتوقف بدرجة كبيرة على مدى التزام الحكومة بما أعلنته من توفير بدائل مناسبة قبل انتهاء مدد الإخلاء، واتباع آلية منصفة لتحديد قيمة الإيجار الجديدة، تراعى طبيعة المنطقة والغرض من الاستخدام وظروف السكان.
المطلوب ليس فقط سن قانون، بل إدارة هذا التحول الاجتماعى والاقتصادى بمسئولية تبدأ من حصر دقيق للفئات المتضررة مرورًا بإعداد خطة إسكان مدعومة، وليس انتهاءً بتحديد مدد انتقالية واقعية تتيح التكيف مع الوضع الجديد دون أن يُجبر مواطن على مواجهة المجهول.
القضية ليست صراعًا بين مالك ومستأجر، بل اختبار حقيقى لقدرة الدولة على تحقيق التوازن المطلوب بين حق الملكية والحق فى السكن، تحت مظلة العدالة الاجتماعية التى ينص عليها الدستور.
وإذا لم تُواكب التعديلات التشريعية برؤية تنفيذية مدروسة، فإن النتائج قد تكون عكسية، وتفتح الباب أمام أزمات اجتماعية نحن فى غنى عنها.
ويبقى الأمل معقودًا على أن يكون هذا القانون بداية إصلاح حقيقى فى ملف الإيجارات، لا مجرد تغيير رقمى فى بنود العقود، وأن تنجح الدولة فى تقديم نموذج يحتذى به فى معالجة القضايا المتراكمة بروح العدالة لا بمنطق الإزاحة.
حفظ الله مصرنا الحبيبة