اقتصاد الحرب يحوّل البطاطس إلى سلعة فاخرة في روسيا

في بلد يتمتع بأكبر المساحات الزراعية عالميًا، بات العثور على البطاطس والبصل في روسيا تحديًا حقيقيًا، حتى أن الرئيس فلاديمير بوتين أقر مؤخرًا بنقص في البطاطس وبنجر السكر والخضروات الأساسية، قائلاً: "اتضح أن لدينا نقصًا في البطاطس".
هذا النقص انعكس مباشرة على الأسعار؛ إذ تضاعف سعر البصل، وارتفعت أسعار البطاطس بنحو ثلاثة أضعاف خلال عام واحد، وفق بيانات هيئة الإحصاء الروسية "روستات". كما ارتفع سعر الكرنب بنسبة تجاوزت 50%.
في يونيو 2025، تجاوز سعر الكيلوغرام الواحد من البطاطس يورو واحد، وهو رقم كبير في ظل دخل شهري يقل عن 1000 يورو قبل الضرائب، ومعاشات تقاعد لا تتعدى 200 يورو شهريًا. وبهذا أصبحت أسعار الغذاء أحد المحركات الرئيسية للتضخم، الذي يبلغ حاليًا 9.6%، بحسب وزارة الاقتصاد.
وللحد من التضخم، رفع البنك المركزي الروسي سعر الفائدة إلى 20%، في محاولة لتقليص المعروض النقدي عبر الحد من الاقتراض. غير أن هذا الإجراء ألقى بظلاله الثقيلة على الاقتصاد المحلي.
ركود يلوح في الأفق
في منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، أطلق وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف تحذيرًا نادرًا، مشيرًا إلى تباطؤ واضح، قائلاً: "بحسب البيانات، هناك تباطؤ، وبحسب شعور رجال الأعمال، نحن نقترب من الركود".
وأشار إلى أن سعر الفائدة المرتفع يُثني المستثمرين عن ضخ رؤوس أموال جديدة، متوقعًا انخفاض الاستثمارات في النصف الثاني من 2025 مقارنة بالعام الماضي.
رئيسة البنك المركزي إلفيرا نابيولينا دافعت عن سياسة مؤسستها، لكنها لم تُخفِ التحديات المقبلة، مؤكدة أن الاقتصاد استند في صموده إلى برامج إحلال الواردات واحتياطيات مالية تم استنزاف معظمها، ما يستدعي البحث عن نموذج جديد للنمو.
إنتاج حربي... لا رفاهية
ورغم العقوبات الغربية، واصل الاقتصاد الروسي النمو بفضل التحول الكبير نحو الإنتاج العسكري، وهو ما أكده سيرجي تشيميزوف، أحد كبار رجال الصناعات الدفاعية، معلنًا تضاعف إنتاج الذخيرة والأسلحة عشرات المرات منذ 2021.
لكن هذا النمو لا ينعكس على حياة المواطن العادي، إذ يتركز في الصناعات العسكرية دون أن يُترجم إلى إنتاج سلع مدنية أو تحسن في مستوى المعيشة. بينما تعاني القطاعات المدنية من ارتفاع التكاليف، نقص العمالة، والتخلف التكنولوجي المتفاقم بفعل العقوبات.
أزمات في السيارات والآلات الزراعية
في قطاع السيارات، تراجعت المبيعات مجددًا بعدما بلغ ذروته مؤقتًا في 2024. فلم تُبع سوى 450 ألف سيارة في أول خمسة أشهر من 2025، بانخفاض 26% عن نفس الفترة من العام الماضي. كما توقعت شركة "أفتوفاز"، المصنعة لسيارات لادا، انخفاضًا سنويًا بنسبة 25%.
أما شركة "روستسيلماش" لصناعة الحصّادات والجرارات، فقد أوقفت أكثر من 15 ألف موظف في إجازة إجبارية، وبدأت العمل بنظام جزئي منذ مارس، مع تسريح نحو ألفي عامل في أبريل. وتواجه الشركة تراكمًا في الإنتاج بنسبة 40% نتيجة ضعف الطلب، ما يعكس أزمة سيولة لدى المزارعين الذين يواجهون أسعار فائدة مرتفعة وتكاليف إنتاج باهظة.
وتراجع المحصول الروسي أيضًا بعد أن كان بوتين قد أعلن عن حصاد قياسي بلغ 157 مليون طن في 2022، حيث انخفض الإنتاج في العامين التاليين. وبينما دعا الرئيس الروسي إلى رفع إنتاج الحبوب إلى 170 مليون طن بحلول 2030، أقر نائبه دميتري باتروشيف بأن "الاتجاه الحالي يسير عكس المطلوب"، مطالبًا بتحرك عاجل.
هل تصبح البطاطس رفاهية؟
من المنتظر أن تبدأ روسيا خلال الأيام المقبلة في حصاد البطاطس، ما قد يؤدي إلى انخفاض مؤقت في الأسعار بفعل زيادة المعروض. لكن إن لم يتحقق ذلك، فقد يضطر بوتين إلى تبنّي نصيحة حليفه البيلاروسي لوكاشينكو، الذي أوصى شعبه مؤخرًا بتناول البطاطس مرة أو مرتين أسبوعيًا فقط لتجنب زيادة الوزن – وهي نصيحة ساخرة من رئيس لا يُعرف بخفة الوزن.