رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

مجمع البحوث: العفو لا الثأر.. طريق التقوى وحياة بلا دماء

بوابة الوفد الإلكترونية

في مجتمع يئن أحيانًا تحت وطأة العادات المتوارثة، يبقى الثأر أحد أكثر القضايا تعقيدًا، لا سيما في بعض المناطق الريفية التي تُقدّس الانتقام وتعتبره استردادًا للكرامة، لكن الإسلام، بمنهجه الرباني، جاء ليُصلح النفوس ويهذب الغرائز، ويقدم بديلًا إنسانيًا وإلهيًا أكثر عدلًا وأقرب للتقوى: العفو.

وقد أكد مجمع البحوث الإسلامية أن "الثأر لا يُنهي الحزن بل يضاعفه، ولا يُعيد مَن مات بل يفتح أبوابًا جديدة للألم والخوف، ويزرع في القلوب نارًا لا تنطفئ، أمَّا العفو فهو طوق نجاة، ورحمة بالناس، وحفظ للدماء، وإحياء لأُسَر كاملة؛ ولهذا كان العفو أقرب للتقوى وأعظم أجرًا عند الله، ومَن يملك العفو يملك أعظم القوَّة؛ لأنَّ الرحمة لا يقدر عليها إلا الأقوياء" [1].

العفو في ميزان الشريعة

لقد جعل الإسلام العفو من شيم الكبار، ورفعه إلى مصاف العبادات التي يتقرب بها العبد إلى ربه، فقال الله تعالى:"وأن تعفوا أقرب للتقوى" [البقرة: 237]
"فمن عفا وأصلح فأجره على الله" [الشورى: 40].

ويكفي أن رسول الله ﷺ عفا عمن آذاه، وسامح من طرده وأهانه، حتى قيل له: «لو دعوت عليهم» فقال:"إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" [رواه مسلم].

آثار العفو الاجتماعية

تشير دراسات اجتماعية إلى أن العفو يحد من دوامة العنف، ويمنع سقوط المزيد من الضحايا الأبرياء، خاصة في قضايا الثأر الممتدة عبر أجيال. بل ويؤكد علماء النفس أن من يُسامح يعيش عمرًا أطول، ويتمتع بصحة نفسية أفضل من الذين يحملون مشاعر الانتقام والغضب المزمن [2].

في المقابل، يؤدي التمادي في الثأر إلى تفكك أسر ودمار مجتمعات، ويُخلِّف في النفوس أحقادًا لا تنتهي. أما من يعفو، فقد فتح بابًا للحياة، وكسر دائرة الكراهية.

نماذج مشرقة من الواقع

لا تزال كثير من لجان المصالحات التي تنشط في صعيد مصر تقدم نماذج مشرفة لعائلات اختارت طريق العفو رغم ما تحملته من ألم، فأصبحت سببًا في حقن الدماء وتغيير الثقافة السائدة، بل وغالبًا ما يُكرَّم أهل المقتول أمام الجميع، ويُقال عنهم "أهل الشهامة والعفو"، ويُحتفى بهم دينيًا ومجتمعيًا.

 

الثأر لا يُعيد ميتًا، لكنه قد يقتل أحياءً. والعفو لا يُنسينا الفقد، لكنه يضيء لنا طريق النجاة، ويمنحنا فرصة للبدء من جديد. إن من يعفو، لا يطوي صفحة الألم فقط، بل يكتب بيده فصلًا جديدًا في كتاب الحكمة والإنسانية.