على فكرة
إن العقبة الأخيرة فى العلاقات مع مصر، ستزول قريباً وربما خلال أسابيع قليلة.
كان ذلك هو تصريح وزير الخارجية الإيرانى «عباس عراقجى» فى القاهرة، التى جاءها بدعوة من وزارة الخارجية المصرية، بعد اللقاء الذى جمعه مع الرئيس السيسى. وربما يشى التصريح، بقرب عودة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ نحو 46 عاماً، وتبادل للسفراء، بعدما كانت العلاقة بين الدولتين قد اقتصرت طوال تلك العقود، على مكتبين لرعاية المصالح فى كل من القاهرة وطهران.
وفى علم قيادة الدول، المصالح تتصالح، ومن هنا كان من الضرورى أن تصبح من الماضى الأسباب التى أدت لتوتر العلاقات بين البلدين، وكان من بينها اعتراض طهران على معاهدة السلام المصرية مع إسرائيل، ومبادرتها بقطع العلاقات مع مصر، ومساندة مصر للعراق فى حرب الخليج الأولى، ودعم السياسة المصرية لدول الخليج فى مواجهة التهديدات الإيرانية لها.
وكان للسياسة الإيرانية دور محورى فى توتير العلاقات المصرية معها. فتقديم الدعم العسكرى والمالى للحركات المسلحة فى دول المنطقة، قد شكل ضرراً على أمن واستقرار الإقليم، لاسيما وقد امتد إلى جماعة الإخوان فى حربها الإرهابية ضد مصر، والحوثى فى اليمن بما أدى لخسائر لمصر خلال العامين الماضيين بلغت نحو7 مليارات دولار، من دخل قناة السويس. ولعل العنوان العريض لكل ذلك، هو التدخل الإيرانى فى الشئون الداخلية لدول المنطقة، والتباهى بذلك، والآثار الكارثية التى أسفرت عن ذلك، وباتت تهدد حتى أمن إيران واستقرارها.
تغيرت موازين القوى فى المنطقة والعالم لغير صالح إيران، بعد سقوط نظام الأسد والمصير المأساوى الذى آل إليه حزب الله فى لبنان وحركة حماس فى غزة، والاتفاق الحوثى مع إدارة ترامب باستثناء السفن الأمريكية من ضربات الحوثيين، واستمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى بدعم الفيتو الأمريكى الأخير لإفشال صدور قرار من مجلس الأمن بوقف الحرب، وتوجه نتنياهو لتنفيذ خطة ترامب لتهجير أهالى غزة وتحويل القطاع لمنتجع سياحى عالمى، وإصراره على شن ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، ورفضه لتوقيع الاتفاق النووى بين واشنطن وطهران، وسعيه لعرقلته ربما باستباق التوقيع، بتنفيذ الهجوم على طهران.
تدرك السياسة المصرية، بمهارة وحذق موطن المصلحة فى تطوير العلاقات مع إيران، وتخطو كما هى عادة الدبلوماسية المصرية نحو البحث عن الجدوى فى قراراتها. فالدولتان كبيرتان، وذواتا نفوذ كبير فى الإقليم. وتعاونهما هو مصلحة للطرفين، فضلاً عن أنه أمر بات ضرورياً لمواجهة مخطط نتنياهو- ترامب لإعادة موازين القوى فى الإقليم، لصالح الهيمنة الإسرائيلية على مصائر دولة، لاسيما بعد بروز التحالف التركى-الإسرائيلى فى سوريا بدعم من واشنطن. ولطالما رفضت مصر توجيه أى ضربة إسرائيلية ضد إيران، أو أى تصعيد يفضى إلى نشوب حرب جديدة فى المنطقة. وساندت فى الوقت نفسه التسوية السلمية للملف النووى الإيرانى، ودعمت حقها فى تطوير سلاحها النووى للأغراض السلمية. وتساند إيران الموقف المصرى، الداعى منذ عقود إلى اخلاء منطقة الشرق الأوسط من السلاح النووى. ويتفق البلدان على وقف الحرب فى غزة ورفض التهجير والمطالبة بحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى.
وفى مجال حديث المصالح، الدولة المصرية ليست لها خلافات مذهبية، كما هى حال إيران مع دول الخليج، ولعل الوزير «عباس عراقجى»، قد لمس بنفسه محبة المصريين لأهل البيت، أثناء جولته فى منطقة خان الخليلى، وتأديته الصلاة فى مسجد الحسين، وهو ما يجعلها أكثر دول الإقليم تأهيلاً وقدرة على التأثير الإيجابى فى السياسة الإيرانية، نحو اعتدال دورها وطى صفحة ماضيها الفوضوى فى الإقليم، بالتعامل مع بقية دوله بندية دون أطماع ونزعات نفوذ وهيمنة.
والعلاقات الإيرانية مع دول الخليج آخذة فى التحسن. وطورت السعودية موقفها من إيران، بعد الوساطة الصينية التى اسفرت عن عودة العلاقات الدبلوماسية. والدول الخليجية بعد الاتفاقات الاستراتيجية والأمنية التى وقعتها مع ترامب فى زيارته الأخيرة لدولها، لم يعد يقلقها تحسن العلاقات المصرية الإيرانية، كما كان الحال فى سنوات سابقة، وجميعها يرتبط بعلاقات دبلوماسية كاملة مع طهران.
تحسن العلاقات المصرية- الإيرانية يعزز من لغة المصالح، ومن قوة الطرفين فى مواجهة التحديات الراهنة. فألف مرحباً بعودة الدفء فى العلاقات بين طهران والقاهرة.