رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شورى

زبائن اللحظات الأخيرة فى الأسواق

عيد الأضحى .. «زحمة يا دنيا زحمة»

بوابة الوفد الإلكترونية

«زحمة يا دنيا زحمة»... عبارة قديمة لكنها خالدة يرددها المصريون بسخرية تارة وبضيق تارة أخرى، وربما بشىء من الرضا الضمنى، خلال السنوات الأخيرة رسم الزحام ملامح الساعات الأخيرة فى الأعياد، وهناك مواطنون شغلتهم وظائفهم عن تدبير أحوالهم استعداداً للمناسبة ولم يجدوا سوى ساعات معدودة لشراء متطلباتهم.
(الخبز أولاً)
طوابير الخبز... رغيف العيد لا غنى عنه
كلما تجولت فى الشوارع تجد تكدساً على المخابز خاصة فى الأحياء الشعبية، تصطف الطوابير منذ الصباح الباكر. رجال ونساء، كباراً وصغاراً، يقفون تحت الشمس أو فى ظل جدران المحال فى انتظار «رغيف العيد»، البعض يشترى بالكيلو لتخزينه خلال أيام العيد التى تغلق فيها المخابز، والبعض الآخر يكتفى بالضرورى، لكن القاسم المشترك هو الانتظار، ورغم التحول الرقمى الذى طرأ على بعض الخدمات، إلا أن «رغيف العيش» ما زال يطلب الوقوف والصبر، وفى العيد، يزداد الطلب أضعافاً، ويقول أحد المواطنين وهو ينتظر دوره: «العيد يعنى لحمة، واللحمة لازم عيش، ولازم ساندوتشات للضيوف، والأولاد مش هيسكتوا!».
للفرجة فقط 
الأسواق... الكل يشترى أو يتفرج
تتحول الأسواق، خاصة فى المناطق الشعبية مثل السيدة زينب، إمبابة، العتبة، شبرا، ووسط البلد، إلى خلايا نحل، المشى فيها مغامرة، ولا يمكنك السير بخط مستقيم، فكل بائع يعرض بضاعته بصوته العالى، وكل زبون يحاول المساومة، وكل طفل يشد والدته نحو عربة ألعاب أو كيس فشار.
الأسواق تكتظ بكل ما يمكن أن يباع بلحوم، ملابس، لعب أطفال، أدوات مطبخ، رقاق العيد، بخور، وأشياء كثيرة لا تدرى لماذا تباع، لكنها تجد من يشتريها، فكثيرون يذهبون إلى الأسواق ليس للشراء فقط، بل لمجرد الإحساس بأجواء العيد، «لو مش هتشترى لحمة، افرح بالزحمة» كما يردد بعض الشباب فى مشهد فيه من الطرافة ما يخفف وطأة الأسعار.
زحام المجازر
المجازر تشهد ازدحاماً من نوع خاص. فمن يشترى، ومن يذبح، ومن ينقل، ومن يتفرج. أصوات البقر والخراف، وصوت السكاكين، والمياه التى تغسل الأرض كل دقيقة... كلها جزء من لوحة صوتية وبصرية متكررة، لكنها لا تنسى، ويقول أحد الجزارين: «العيد شغلنا الحقيقى، الناس بتحوش طول السنة علشان اللحمة، حتى لو بس يومين تلاتة ياكلوا كويس، يبقى العيد جه».
المواصلات معاناة 
الزحام لا يرحم لا سائقاً ولا راكباً. فسيارات الأجرة ممتلئة، والميكروباصات لا تهدأ، والمترو يضج بالركاب فى كل محطة. والكل يتحرك: من يحمل كيساً كبيراً من السوق، ومن معه حقيبة ملابس، ومن يجر أطفالاً متحمسين.
وفى الساعات الأخيرة قبل العيد، تصبح وسائل النقل كالمصارعة الحرة: من يدخل أولاً، ومن يقف على قدم واحدة، ومن يتسلل من باب مغلق. رغم ذلك، تبقى الابتسامة على وجوه البعض، كأن التعب لا يفسد فرحة العيد.
( طوابير)
السلع الغذائية... طوابير لا تنتهى
أمام المجمعات الاستهلاكية وأكشاك بيع السلع مخفضة السعر، تصطف الطوابير الطويلة بحثاً عن زيت، سكر، أرز، أو عبوات لحمة مجمدة بأسعار «مدعومة»، ورغم أن بعض السلع تنفد سريعاً، إلا أن الأمل فى وجود «كرتونة فيها كل حاجة» يجعل الناس ينتظرون.
أم محمد، سيدة خمسينية، تقول وهى تمسح عرقها: «استنينا كتير، بس العيد لازم نفرح بيه حتى لو بكيلو رز وشوية مكرونة، وربنا كريم».
الفرحة رغم كل شىء
ورغم كل الزحام، والحر، وارتفاع الأسعار، يظل المصريون يحتفلون. ترى الزينة على أبواب البيوت، وروائح الكعك تفوح من النوافذ، والأطفال يجرّبون ملابس العيد الجديدة أمام المرايا. العيد فرحة، ولو كانت بسيطة.
فى المقاهى، يجلس الرجال يتبادلون الحديث عن خطط العيد، وفى البيوت تنشغل النساء بتحضير التوابل، وتقطيع البصل، وتنظيف اللحوم. وفى الشوارع، صبية يشترون بالونات وعجلات، وكبار السن يجلسون أمام بيوتهم يراقبون المشهد بروحٍ فيها حنين وفرح.
(حكايات المشتريات )
المصريون يحكون عن «يوم المشتريات الطويل»
وسط الزحام والصوت العالى فى سوق باب الشعرية، التقينا عم سيد، رجل فى منتصف الخمسينيات، يحمل فى يده كيسين ممتلئين: «أنا نازل من 6 الصبح، قلت أخلص بدرى قبل الزحمة، بس الظاهر الناس كلهم فكروا كده برضه. جبت لحمة ضانى بـ420 جنيهاً للكيلو، غالية آه، بس ما ينفعش العيد من غير فتة».
ضحك وهو يلوح بكيس ملىء بالبصل: «العيال مستنيين الكبة، والست فى البيت عاملة حسابها على الحلة الكبيرة».
وعلى بعد خطوات، وقفت أم جهاد، ترتب محتويات شنطتها البلاستيكية على الرصيف لتستريح قليلاً: «جبت رز، سكر، شوية سمنة، وزيت، وكيسين مكرونة. الكيلو بجنيهين زمان، دلوقتى بـ18، بس نعمل إيه؟ هنطبخ على القد، بس لازم نحس بطعم العيد».
تنظر إلى طفلها الذى يمسك بكيس كعك صغير وتبتسم: «الكعك مش من العجانة السنة دى، من المحل، نص كيلو بـ50، نعيش ونفرح العيال».
فى حى إمبابة، جلس الحاج رمضان على عتبة فرن بلدى ينتظر دوره فى طابور الخبز: «العيش أهم من اللحمة، العيال لازم ياكلوا، وكل يوم فى العيد لازم نفطر عيش بلدى وسمنة وسكر. الطابور بقاله ساعة، بس ده العادى، وكل سنة وإنت طيب».
وحين سألناه إن كان ذاهباً للذبح، رد: «السنة دى مفيش أضحية، لكن جارنا هيضحى، وهنوصل نص كيلو لحمة للعيال كده كده، ربك كبير».
أما مروة، موظفة فى الثلاثين من عمرها، فقد خرجت بعد عملها مباشرة إلى سوق العتبة: «كنت مخططة أجيب حاجات بسيطة، لكن لما شفت الزحمة، لقيت نفسى بشترى زيادة، سبحان الله الزحمة ليها تأثير! جبت كيس بلح ناشف، وشوية مكسرات على قدى، وعلبة سمنة بلدى صغيرة».
تضحك وهى تشير إلى قائمة مكتوبة على ورقة فى يدها: «ما شاء الله، لسه فاضلى أجيب خل، بهارات، وموزة بلدى للفتة. هى ليلة واحدة، بس نعيشها على أصولها».
(المجمعات الاستهلاكية)
فى أحد طوابير المجمعات الاستهلاكية، كان أشرف، موظف حكومى، يقف ممسكاً بتذكرة الانتظار: «بقالنا ساعة ونص فى الطابور علشان كرتونة العيد. فيها لحمة مجمدة، فول، عدس، وزيت بـ180 جنيه، مش وحش، أحسن من السوق برة».
ينظر حوله ويقول: «كلنا بندور على حاجة تفرح الولاد. ولو مش قادر تشترى كيلو لحمة طازة، يبقى شوية حاجات من دى، وتطبخ بيها وتتبل، وربنا يعين».