رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

سميحة أيوب.. رحيل سيدة المسرح العربي وصانعة الأجيال

الفنانة الراحلة سميحة
الفنانة الراحلة سميحة أيوب

رحلت عن عالمنا اليوم الفنانة القديرة سميحة أيوب، المعروفة بلقب "سيدة المسرح العربي"، عن عمر ناهز 92 عامًا، وذلك داخل منزلها الكائن بحي الزمالك في القاهرة، بعد مسيرة فنية استثنائية أثرت فيها المسرح المصري والعربي، وقدمت خلالها نموذجاً نادرًا للفنان المثقف والملتزم، وتركت بصمة لا تُنسى في وجدان الجمهور وذاكرة الفن.

 

الفنانة سميحة أيوب
الفنانة سميحة أيوب

مسيرة حافلة بالإنجازات والعطاء

 

ولدت الفنانة سميحة أيوب في العاصمة المصرية القاهرة عام 1932، وكانت منذ نعومة أظافرها متعلقة بالفن، حتى بدأت أولى خطواتها في عالم التمثيل وهي في سن الخامسة عشرة، عبر مشاركتها في عمل إذاعي لفت الأنظار إلى موهبتها المتميزة في الأداء الصوتي، ما فتح لها أبوابًا أوسع للانطلاق في المجال الفني.

التحقت سميحة بمعهد التمثيل، المعروف حالياً باسم المعهد العالي للفنون المسرحية، وتخرجت فيه عام 1953، ومنذ ذلك الحين كرّست حياتها بالكامل للفن، واختارت المسرح ليكون مسارها الأول والأهم، رغم مشاركاتها في السينما والتلفزيون والإذاعة.

تميزت الفنانة الراحلة بحسها الإبداعي العالي، فتنقلت بمهارة بين الأدوار المختلفة، من الشابة الحالمة، إلى الأم، فالمثقفة، وربّة المنزل، والجدة الحكيمة.

وأبدعت في تجسيد شخصيات طيبة وشريرة، ضعيفة وقوية، مما جعلها فنانة متعددة الأوجه قادرة على الإقناع بكل أدوارها.

لم تكتفِ سميحة بالوقوف على خشبة المسرح كممثلة فقط، بل خاضت تجربة الإدارة المسرحية باقتدار، حيث تولّت إدارة كل من المسرح القومي المصري والمسرح المصري الحديث، وهو ما يُعد إنجازًا هامًا في مسيرتها، حيث استطاعت أن تطور من آليات العمل المسرحي وتفتح المجال أمام شباب المبدعين.

كما قامت بإخراج عدد من المسرحيات التي لاقت نجاحًا لافتًا، واستطاعت من خلالها التعبير عن رؤيتها الفنية وتقديم أعمال درامية ذات مضمون ثقافي ورسائل مجتمعية مهمة.

الصوت الذهبي والرسالة التوعوية

لم يكن حضور سميحة أيوب محصورًا على الخشبة أو الشاشة، بل امتد إلى عالم الصوت، إذ قدّمت أعمالًا إذاعية متميزة، وشاركت بصوتها في المسلسل الكرتوني "المسلمون والإسلام" الذي عرّف الأطفال بتاريخ الدين الإسلامي بأسلوب مبسط، كما أدّت دورًا صوتياً في أوبرا "بنت عربي" التي تناولت التحديات اليومية لأصحاب الهمم.

تمكنت سميحة أيوب من أن تكون صوتاً للتوعية والثقافة، عبر الفن، واستخدمت موهبتها لتجسيد القيم النبيلة، مدافعة عن قضايا الإنسان العربي عامة والمصري خاصة، في أعمالها المتنوعة.

دعم الشباب ونقل الخبرات

اشتهرت الفنانة الراحلة بتواضعها وإخلاصها في دعم المواهب الشابة، وكانت حريصة دائمًا على تقديم النصح لهم، وترى أن التمثيل ليس فقط موهبة، بل علم يجب دراسته وممارسته بشكل منظم، ولهذا دعت مراراً الشباب للالتحاق بمعاهد الفنون وحضور الورش المتخصصة، والاهتمام بالقراءة كوسيلة لصقل الخيال وتنمية الوعي الفني.

كانت تقول دائمًا: "الفن أمانة ورسالة، ويجب أن يكون هدفه التثقيف قبل الترفيه"، ولذا حرصت على اختيار أدوارها بعناية، بما يخدم المجتمع ويطرح قضايا إنسانية حقيقية.

التكريمات المحلية والدولية

حصلت سميحة أيوب على عدد كبير من الجوائز والأوسمة من مصر وخارجها، أبرزها ميدالية جائزة النيل الذهبية عام 2015، وهي واحدة من أرفع الجوائز في مصر، كما تم تكريمها في مهرجانات مسرحية وسينمائية عديدة، وشهدت حياتها عددًا من الاحتفاءات الأدبية والفنية.

وتم إطلاق اسمها على القاعة الرئيسية في المسرح القومي المصري، تكريمًا لدورها الكبير في النهوض بالحركة المسرحية.

 

سميحة أيوب في مناهج التعليم

وفي خطوة لافتة، أدرجت وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني عام 2023 سيرة الفنانة الراحلة ضمن مناهج التعليم المصري، وتحديداً في كتاب المهارات والأنشطة للصف السادس الابتدائي، وذلك تحت عنوان "شخصيات مصرية مؤثرة في مجال المسرح".

وأكد المتحدث الرسمي باسم الوزارة أن هذا القرار جاء في إطار تعريف الطلاب بأهم الرموز الفنية والثقافية في مصر، ممن ساهموا في إثراء المجتمع المصري والعربي، وأضاف أن الهدف هو تنمية وعي الطلاب وتعريفهم بنماذج ناجحة يمكن أن تُلهمهم في المستقبل.

حضور دائم في الذاكرة الإعلامية

ظلت سميحة أيوب حاضرة في وسائل الإعلام حتى آخر أيامها، فقد كانت محورًا للكثير من البرامج الوثائقية والتقارير التي استعرضت مسيرتها وأثرها الفني والثقافي. كما أُلفت عنها عدة كتب، منها كتاب "الساحرة.. مشوار من الإبداع"، الذي وثّق جوانب عديدة من حياتها وتجاربها.

وبقيت سميحة حتى وفاتها مثالًا للفنان المثقف المتزن، والمرأة القوية التي صنعت لنفسها مكانة خاصة في وجدان المصريين والعرب.

إرث باقٍ وتأثير لا يُنسى

لقد غادرتنا سميحة أيوب جسدًا، لكن روحها الفنية باقية في وجدان كل من عرفها أو شاهد أعمالها، كانت نموذجًا نادرًا للمرأة الفنانة التي جمعت بين الحس الإبداعي العالي والالتزام الأخلاقي والثقافي.

ويُنتظر أن يشهد المسرح المصري في الأيام القادمة فعاليات تأبينية متعددة تخليدًا لذكراها، كما سيبادر عدد من النقابات والمؤسسات الثقافية لتكريم اسمها، سواء بإطلاقه على قاعات فنية أو إقامة ندوات حول أثرها في المسرح.

سميحة أيوب لم تكن مجرد فنانة، بل كانت حارسة للمسرح العربي، وواحدة من أعمدة الثقافة والفن في مصر.
حيث أدارت، مثّلت، أخرجت، ألهمت، وسارت على خشبة المسرح واثقة، فتركت أثرًا لا يُمحى.