جمعة: القرآن نزل بلغة بلاغية متقنة تُظهر وجهًا من وجوه الإعجاز

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء، في تفسيره لسورة آل عمران في الحلقة 399، أن القرآن الكريم هو معجزة حية نزلت على النبي محمد ﷺ، وهو الكتاب الذي يحمل في طياته تذكيرًا وهداية للإنسانية.
وتابع جمعة، يتصف القرآن بالحكمة الكاملة، ويُعتبر مصدرًا للحكمة التي لا خلل فيها. في تفسير القرآن، يؤكد جمعة أن القرآن هو وحي يتلى، فيه بيان لما سبق من آيات ومعجزات إلهية، ويُعدُّ مصدرًا للهدى للبشرية في كل زمان ومكان.
ثلاث معايير للإيمان بأن القرآن من عند الله
وفي حديثه عن القرآن الكريم، عرض جمعة ثلاث معايير أساسية للإيمان بأن القرآن هو من عند الله:
الاعتراف: أول معيار هو الاعتراف بوجود الله والإيمان بالوحي الإلهي. فإذا كنت تؤمن بأن الله أرسل موسى وعيسى - عليهما السلام - وأنزل التوراة والإنجيل، فكيف يمكن أن تُنكر أن الله أرسل الكتاب الخاتم؟ الإيمان بالكتب السماوية السابقة يُسهل الإيمان بالقرآن الكريم، وهو الكتاب الأخير الذي أُرسل إلى البشرية.
عدم الاختلاف: ثاني معيار هو عدم وجود اختلاف في القرآن. لو كان القرآن من عند غير الله لكان فيه اختلافات كثيرة، ولكن القرآن متناسق تمامًا. كالبناء الواحد، لا تجد فيه تناقضًا، بل إذا وجدت أي شبهة اختلاف، تكتشف أنها تحمل في طياتها وجهًا جديدًا من وجوه الإعجاز الإلهي.
الائتلاف: القرآن يُجمِع ولا يُفرِّق. فهو لا يفرق بين القلوب وإنما يجمعها، ويُقيم العدل، ويُعزز العلاقة بين الإنسان وربه، وبين العبد ونفسه، وبين الأمة والمجتمع. لا تجد في القرآن تناقضًا، بل كل آية تلتئم مع الأخرى وكل حكم مبني على حكمة عالية، مما يعكس الوحدة والاتساق في الكتاب المقدس.
الرد على شُبَه التناقض في القرآن
أوضح جمعة في تفسيره للقرآن كيف يرد على الشبهات التي قد تطرأ حول التناقض الظاهر في بعض الآيات، مثال ذلك ما يقال حول قوله تعالى: "لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ" [البلد]، في مقابل قوله تعالى: "وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ" [التين]، بعض الناس يتساءلون: كيف يقسم الله في آية، وينفي القسم في آية أخرى؟
ولكن جمعة يوضح أن قول "لا أقسم" في اللغة العربية هو قسم مؤكد، وليس نفيًا، في اللغة العربية، يُستخدم النفي لتوكيد عظمة ما يُقسم به، فمثلًا، قد يقول أحدهم: "ما لك على يمين"، أي يقسم قسمًا عظيمًا بالله. وهكذا، عندما يقول القرآن "لَا أُقْسِمُ" فإنه يؤكد عظمة ما يُقسم به.
وأضاف جمعة أن القرآن الكريم نزل بلغة العرب وبأساليب بلاغية متقنة، ومن لم يتذوق هذه الأساليب قد يظن أن هناك تناقضًا في التعبير، بينما الحقيقة أن هذه الأساليب تُظهر وجهًا من وجوه الإعجاز البلاغي.
وفي قوله تعالى:"فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ" [الواقعة]
يُبين أن هذه الأسلوب البلاغي هو قسم جليل، بل يُعتبر من أعظم الأقسام في القرآن الكريم، وهو تذكير بعظمة الله سبحانه وتعالى وقدرته على خلق الكون.
ختامًا، الدكتور علي جمعة يعرض لنا في تفسيره للقرآن الكريم أن هذا الكتاب هو وحيٌ إلهي خالص، يتسم بالهدى، والحكمة، والاتساق، ويُعد المصدر الأول والأخير للإنسانية للعيش في سلم مع الله ومع المجتمع. وبتفسيره المعمق للآيات القرآنية، يؤكد جمعة أن القرآن لا يحتوي على تناقض، بل يحمل في طياته إعجازًا لا يدركه إلا المؤمنون.