«صدقى العارى»

من بين ثمار الإبداع المتناثرة هنا وهناك، تطفو على السطح قطوف دانية، تخلق بنضجها متعة تستحق التأمل، والثناء، بل تستحق أن نشير إليها بأطراف البنان قائلين: ها هنا يوجد إبداع..
هكذا تصبح "قطوف"، نافذة أكثر اتساعًا على إبداعات الشباب في مختلف ضروبها؛ قصة، شعر، خواطر، ترجمات، وغيرها، آملين أن نضع عبرها هذا الإبداع بين أيدي القراء، علّه يحصل على بعض حقه في الظهور والتحقق.

"سمية عبدالمنعم"

أستيقظ قبل ضوء الفجر بقليل، شىء ما بداخلى يستفيق قبل العالم، أجلس عند نافذتى، فنجان قهوة بارد بين يديّ وصمت المدينة لا يزال يتثاءب، لا أفكر بشىء، عينى تتبع حركة الضوء وهو يحاول التسلل من بين الأبنية كطفل خائف، أفتح دفترًا يشبه صدرى حين يضيق، أكتب فيه أسماء مرّت، مواقف نسيتها لكنها تركت أثرًا، أكتب شعورًا لا أعرف مصدره، كأن أحدهم مرّ بروحى ذات مساء، ولم ينتبه أن يطفئ النور خلفه.. 
أكتب بخطٍ مرتجف، بكلماتٍ ناقصة، بجمل تنتهى بنقطة معلقة وأقول:
الحياة ليست نصًا أدبيًا مُتقنًا، إنها مسوّدة مبللة بالحزن والحنين والأمل المُر! 
كل ما أبتغيه فسحةٌ هادئة تتسع لتقلباتى:
حائرة، قلقة، تواقة لشىء مبهم.
أطلق العنان لما يفيض داخلى هادئًا، عفويًا دون رتوش أو تخطيط مسبق، أدع المساحات تتنفس بين الكلمات، لا ألتمس تعليلاً ولا أبحث عن خاتمة وردية. 
أحتاج فقط أن أنقضى، أن أجتاز، أن أترك روحى تسير بين الهوامش دون تقويم أو اعتذار ثم، فجأة، أطوى الصفحة وأمضى إلى نهارى مثل من يمضى فى عزاء صامت، أرتب وجهى، أربط قلبى بحبلٍ خفى كى لا يسقط، أقول للعالم: 
صباح الخير
لكن بينى وبين نفسى أعرف أن الخير كلّه فى تلك اللحظة التى جلست فيها مع قهوتى الباردة، وصدقى العارى.