لازم أتكلم
لا حديث الآن فى الشارع المصرى إلا عن القانون الجديد للإيجارات القديمة (سكنى وتجاري)، الكل يسأل... مع من تقف الدولة، مع المالك أم المستأجر؟ ومن سينتصر فى النهاية البرلمان أم الحكومة؟ الشعب ولا نواب أخذ اللقطة؟ الفقراء محدودو الدخل أم الذين يملكون الهواء؟ العجوز الذى على المعاش وليس له مأوى آخر؟ أم ابن المالك الذى لا يجد شقة يتزوج بها وهو يرث عقارًا متعدد الطوابق عائده لا يعادل وجبة فول وطعمية؟ ولا يستطيع إخراج أى مستأجر محصن بقانون قديم لم يعد يواكب ظروف العصر ولا معدلات التضخم ولا الحالة الاقتصادية للبلاد؟
مصر كلها الآن فى مأزق خطير يهدد السلام والأمن الاجتماعى بسبب أخطاء الاشتراكية المستأسدة العمياء، تبصر بعين واحدة ولا تشعر إلا بمصالح فئة معينة على حساب أصحاب الملكيات الخاصة التى كفلتها كل الدساتير.
وبداية أوضح أننى لست رأسماليًا ولا ناصريًا، ولست مع طرف ضد آخر، لأنه لا خاسر ولا فائز فى معركة المتضرر الأول فيها الشعب، ملاكاً ومستأجرين، صاحب أو وارث العقار أو الشقة أو المحل، وكذا المستأجر الذى لا تمكنه ظروفه المالية والاجتماعية من الخروج واطمأن مع طول السنين أن المكان أصبح بحكم الواقع المعاش ملكًا له ولأبنائه وأحفاده حتى تقوم الساعة، وجاء ورثته وأغلقوا المكان ورفضوا الخروج إلا بتعويضهم بشقق فاخرة أو مقابل مادى كبير، بحجة أن آباءهم وأجدادهم دفعوا (خلوات) وأنفقوا الكثير على الشقة التى أهملها المالك سنوات قبل أن يستفيق ويطالبهم فجأة بالخروج.
إننا أمام حالة متشابكة ومعقدة، سببها قانون جائر أفرزته قوانين سابقة لظروف الحروب التى عاشتها مصر منذ الحرب العالمية الأولى فالثانية، مرورًا بثورة 1952 والعهد الناصرى والتبعات الاقتصادية والاجتماعية السيئة لنكسة 1967، وما خلفته من انكسار فرض على الحكومة أن تنحاز مجبرة لأصحاب الدخل المحدود وتضغط على أصحاب الأملاك باستثناءات قانونية فرضتها ظروف محددة، ولكنها للأسف استمرت ولم تجرؤ الحكومات المتعاقبة على إعادة الشيء لأصله، ولم تعمل على إعادة تصحيح المسار، ابتلعت الصمت، وفضلت (الطناش)، وكانت النتيجة هذا الموقف الذى لا تحسد عليه حكومة الدكتور مصطفى مدبولى وبرلمان حنفى الجبالى ومؤسسات الدولة المعنية بأزمة ندعو الله أن تمر بسلام.
وأعتقد أن الوضع كان سيستمر على ما كان عليه من ظلم للملاك وورثتهم، لولا أن صدر حكم المحكمة الدستورية فى 9 نوفمبر 2024 والقاضى بعدم دستورية الفقرة الأولى فى المادتين (1) و(2) من القانون رقم (136) لسنة 1981.
وحرصًا على السلام الاجتماعى، لم تلزم المحكمة المشرع بإيجار محدد ولم تأمر بطرد المستأجر، إلا أنها تركت الباب مفتوحًا للتراضى بين الطرفين بشرط تحقيق التوازن الاجتماعى، وطالبت الحكومة بسرعة التعديل، وأمهلتها مدة معينة لتقديم مشروع متوازن يحقق مصلحة الطرفين، لأنه من غير المنطقى ولا من العدل أن يستمر الإيجار بقيمة واحدة أو مدة واحدة لجميع الحالات، فهذا التعميم يظلم المالك والمستأجر معًا.
وتجنبًا لحدوث حالة من الفوضى القانونية والدستورية أسرعت الحكومة وقدمت مشروعًا لتعديل قانون الإيجارات القديمة، شملت التعديلات القوانين السابقة وخاصة رقمى 4 لسنة 1996 و49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981.
وللأسف الشديد، ونتيجة للسرعة والضغوط جاء القانون (مسلوقًا) غير مكتمل، لم تتم دراسته بشكل جيد من كافة الجهات والوزارات المعنية، فأثار الجدل الكثير من علامات الاستفهام، وحمل معه أدوات كفنه وموته، وشعر الجميع بانحيازه لطرف على حساب الآخر.
وللحديث بقية إن شاء الله...