دعا إلى التمسك بالجذور والحرص على الوطن
رسائل البابا فى رحلة «وسط أوروبا».. مصر بيت لكل العرب
البطريرك يصلى لأجل وقف الحرب فى «غزة».. ويدعو لسلام العالم
وحدة المصريين طبيعة متجذرة فى الوجدان وليست «صناعة»
«تواضروس» يدعو نظيره الرومانى لزيارة القاهرة.. ويبحث سبل التعايش والتقارب مع «تشيولاكو»
بعث قداسة البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، بعدة رسائل للداخل، والخارج، إبان رحلته الرعوية بـ«إيبارشية وسط أوروبا»، والتى بدأت بزيارة لـ«بولندا»، ومنها إلى «رومانيا».
وتضمنت رسائل البطريرك تأكيداً على أن مصر بيت لكل العرب، وحريصة على أشقائها، وحضارتها منارة للعالم، مصلياً من أجل وقف الحرب فى «غزة»، والسودان، وإنهاء معاناة الأشقاء، وكذلك بين أوكرانيا، وروسيا، والهند، وباكستان، داعياً إلى أن يعم السلام العالم.
ولفت البابا خلال لقاءاته الرسمية، والرعوية إلى الوحدة الوطنية فى مصر، وتماسكها، وتجذرها كوجدان يجمع بين المصريين منذ فجر التاريخ، نافياً أن تكون صناعة، أو قراراً.
وواصل البابا خلال رحلته التى امتدت نحو 10 أيام، منذ الجمعة قبل الماضى، بدءاً بزيارة «بولندا»، ثم «رومانيا»، انفتاحه على الكنائس الأخرى، وزيارة عدد من الكنائس، والأديرة هناك، مع حرصه على الترتيل باللغة القبطية.
وغادر البابا تواضروس الثانى القاهرة متجهاً إلى «بولندا» فى أعقاب احتفال الكنيسة بعيد القيامة المجيد، وتزامناً مع جنازة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، والتى أناب عنه لحضورها عدداً من أساقفة إيطاليا.
وخلال زيارته التى شملت عدة لقاءات من بينها لقاء «أبناء الجالية المصرية» فى العاصمة الرومانية «بوخارست» -بمجمع خدمات مارينا-، وبحضور السفير مؤيد الضلعى - سفير مصر لدى رومانيا، وعدد من أساقفة إيبارشيات أوروبا، جدد البابا تواضروس تأكيده على الرباط الوثيق الذى يجمع المصريين.
يأتى ذلك بجانب إشارته إلى ارتباط المصرى بالأرض، والنيل، والإنسان، لافتاً إلى أن هذا المثلث يغرس الانتماء العميق فى قلب المصرى، فلا يفكر فى ترك وطنه إلا فى ظروف استثنائية.
ولفت إلى مكانة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تاريخياً، منذ بدء دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر، مروراً ببشارة القديس مار مرقس الرسول، واستشهاده فى الإسكندرية، وانتهاءً بتوصيفها ككنيسة للشهداء، مشيراً إلى أن استقامة الكنيسة تشمل الإيمان، والفكر والسلوك كركائز متكاملة.
البابا الذى ركز على توصيف «كنيسة الشهداء»، قال: إن الكنيسة الأرثوذكسية قدمت شهداء عبر التاريخ، مستشهداً بحادث مقتل 21 مصرياً فى ليبيا، والذى اعتبره مؤثراً فى ضمير العالم.
وعرج البابا على تأسيس الحياة الرهبانية من خلال الكنيسة القبطية، على يد القديس الأنبا أنطونيوس وديره فى البحر الأحمر، مشيراً إلى أن الأديرة القبطية تبدأ يومها بالصلاة فى الساعات المبكرة من الصباح، وكأنها رسالة لتكون الصلاة حصناً روحياً للعالم.
وخلال اللقاء الممتد مع الجالية المصرية فى رومانيا، قال السفير مؤيد الضلعى: إن المصريين فى «بوخارست» تجمعهم روح التآلف على اختلاف عقائدهم، مشيراً إلى أن المصريين يجسدون روح الوحدة الوطنية المصرية فى كل مكان، ويحتفلون معاً بمختلف المناسبات والأعياد، ليعكسوا صورة مشرفة لوطنهم.
ولم يفت البابا تواضروس خلال لقائه دعوة المصريين بالخارج إلى التمسك بجذورهم الوطنية، وضرورة أن يكونوا سفراء للكنيسة، والوطن فى كل مكان.
وعلى صعيد الزيارات الكنسية، واصل البابا تواضروس مسيرة انفتاحه على الكنائس الأخرى، بزيارة لمقر مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالعاصمة الرومانية «بوخارست»، ضمن برنامج رحلته الرعوية التى بدأها منذ نحو 10 أيام.
وفى الزيارة التى استقبله خلالها المطران داتيف، مطران الأرمن الأرثوذكس برومانيا، وعدد من الآباء الكهنة، والمئات من أبناء الكنيسة الأرمينية، استمع البطريرك إلى شرح مفصل عن تاريخها، حيث يبلغ عدد أتباعها نحو خمسة آلاف شخص، يقيمون فى البلاد منذ نحو ألف عام، ولديهم ستة كهنة فى 22 كنيسة موزعة على مناطق مختلفة.
ورتل البابا تواضروس، والوفد الكنسى المرافق له لحن القيامة باللغة القبطية، كتعبير روحى عن وحدة الإيمان، مؤكداً على العلاقة الأخوية التى تجمع بين الكنيستين القبطية، والأرمينية، معرجاً على المحبة، والروابط الإيمانية، والروحية، والتاريخية بين الكنيستين.
وفى السياق ذاته، حرص البابا على زيارة البطريرك دانيال - بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية، بقصر البطريركية بالعاصمة الرومانية بوخارست.
لقاء البطاركة المنعقد بقاعة «أوروبا كريستيانا» داخل قصر البطريركية، تضمن إلى جانب الترحيب، واستعادة أثر العلاقات بين الكنيستين، استعراضاً لتاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وامتناناً لحفاوة متبادلة لدى زيارة الوفود الرومانية للأديرة، والكنائس الأثرية بمصر.
وقال البابا تواضروس خلال كلمته بمقر البطريركية الرومانية: لقد قرأت كثيراً عن الكنيسة الأرثوذكسية الرومانية، وعن جهادها، وعدد شهدائها الكبير، الذين نتعلم منهم نحن أيضاً، داعياً البطريرك الرومانى لزيارة القاهرة قريباً.
وتبادل البطاركة الهدايا التذكارية، فبينما قدم بطريرك رومانيا أيقونة للقديس ديمتريوس الجديد، شفيع مدينة بوخارست، بالإضافة إلى أيقونة صدر القديس أندراوس الرسول، شفيع رومانيا، أهدى البابا نظيره مجسماً للمنارة الشهيرة فى الإسكندرية مكتوب عليها قانون الإيمان بعدة لغات، وأيقونتين تمثلان رحلة العائلة المقدسة لأرض مصر.
وزار البابا رفقة أعضاء الوفد الكنسى المرافق له الكاتدرائية البطريركية للقديسين قسطنطين، وهيلانة، ودير تشيرنيكا أحد أبرز معالم الرهبنة الرومانية، ودير بساريا للراهبات بمقاطعة «إلفوف»، واستمع لشرح مفصل عن الحياة الرهبانية اليومية التى تجمع بين الصلاة، والعمل فى تطريز الملابس الكهنوتية، وصناعة الأيقونات، والشموع.
ورافق البابا فى جولته بالأديرة الرومانية المتروبوليت نيفون، مطران تارجوفيشته، والقس البروفيسور جورج غريغوريتسا، المستشار البطريركى، والأب الدكتور ميخائيل تيتا، النائب الأسقفى لإيبارشية بوخارست.
عطفاً على ذلك، التقى البابا أساقفة أوروبا، بالعاصمة الرومانية «بوخارست»، وناقش خلال لقائه قضايا خدمة الكنيسة القبطية فى العواصم الأوروبية، مستمعاً لخبرات، وتجارب الأساقفة فى رعاية أبناء الكنيسة فى أوروبا.
واستعرض بحضور الأساقفة عدة تقارير حول أوضاع الخدمة بمختلف الإيبارشيات، والتحديات التى يواجهونها، وسبل تطوير العمل الرعوى، والأنشطة الكنسية بما يلبى احتياجات الأقباط المقيمين بالخارج.
ويعد لقاء أساقفة «أوروبا» الأول من نوعه بالعاصمة الرومانية، إذ شهد مشاركة اثنى عشر أسقفاً من أصل خمسة عشر، فى ظل خلو كرسيين أسقفيين، واعتذار آخر لظروف صحية.
وتضمن اللقاء مناقشة وضعية أبناء الكنيسة بالمهجر، ودعم جهود الأساقفة فى رسالتهم الرعوية، والتعليمية، وتعزيز التعاون المشترك بين الإيبارشيات المختلفة.
والتقى البابا تواضروس مارسيل تشيولاكو - رئيس وزراء رومانيا، بقصر فيكتوريا، المقر الرسمى لرئاسة الحكومة الرومانية، ضمن برنامج زيارته الرعوية.
وتناول اللقاء عدداً من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، لا سيما قضايا التعايش المشترك، والحوار الثقافى، وتعزيز العلاقات بين المؤسسات الدينية، والروحية فى البلدين.
ورحب رئيس الوزراء بالبابا تواضروس، والوفد المرافق له، معبراً عن تقديره للعلاقات التاريخية التى تجمع بين مصر ورومانيا، ودور الكنيسة القبطية فى تعزيز قيم السلام والحوار والانفتاح.
ومن جانبه، عبّر البابا عن سعادته بهذه الزيارة، مؤكداً عمق العلاقات بين الشعبين، ومثمناً دعم الدولة الرومانية للجالية المصرية، وللكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى أنشطتها الرعوية فى البلاد.
وأقام السفير مؤيد الضلعى سفير مصر فى رومانيا، حفل استقبال على شرف البابا تواضروس الثانى، بحضور عدد من سفراء الدول العربية، والأجنبية المعتمدين لدى بوخارست، وممثلين عن الكنائس، والمنظمات الدولية.
وخلال الحفل قال البابا تواضروس: هذه هى المرة الأولى التى أزور فيها رومانيا الجميلة، والمرة الأولى التى يجتمع فيها القلب المصرى مع هذه الدولة الصديقة صاحبة التاريخ العريق والحضارة الغنية».
وأردف قائلاً: «إن مصر الدولة الكبرى فى منطقة الشرق، كانت ولا تزال بيتاً لكل العرب».
وأضاف: «لقد علّمت مصر العالم فن الأعمدة، حيث ارتفعت المسلة رمزاً للشموخ، تنتهى بالمثلث الذهبى الذى كان يرمز إلى عين الإله المضيئة مع الشمس، فتعلن بدء يوم العمل، وعندما دخلت المسيحية أرض مصر، تحولت المسلة إلى منارة ترمز إلى الاستقامة، ثم جاء الإسلام، وأضاف المئذنة كفن معمارى أصيل، ليبقى العمود دائماً تعبيراً عن طريق الإنسان من الأرض نحو السماء، وهو طريق يحتاج إلى استقامة».
واستشهد البابا بما قاله المفكر المصرى الكبير الدكتور جمال حمدان، الذى وصف مصر بأنها «فلتة الطبيعة، وعبقرية التاريخ، وأم الجغرافيا»، لافتاً إلى عبقرية الموقع، والدور عبر العصور.
واستطرد قائلاً: «إن مصر وطن عريق تعاقبت عليه حضارات متعددة من الحضارة الفرعونية إلى القبطية، ثم الإسلامية، والعربية، وصولاً إلى الحضارة الأفريقية وحضارات البحر الأبيض المتوسط، والحضارة اليونانية الإغريقية، وهو ما صنع من مصر بوتقة غنية بالوحدة والتنوع فى آن واحد».
ولفت إلى أن نهر النيل كان محور وحدة المصريين عبر العصور، مشيراً إلى أنه كان ولا يزال سر وحدة المصريين، إذ جمع بين الأرض، والإنسان، وزرع فى قلوبنا حب الحياة الهادئة، والوحدة الوطنية التى لم تكن صناعة، أو قراراً، بل نتاج طبيعة متجذرة فى وجداننا».
واختتم قائلاً: «نصلى من أجل السلام فى العالم، ومن أجل أشقائنا فى غزة، والسودان، ونصلى من أجل إنهاء الحروب فى أوكرانيا، وروسيا، وفى الهند، وباكستان، ونطلب من الله أن يفيض بسلامه على الأرض، ويبارك جميع الشعوب، والأمم بمحبة وسلام دائمين».
يأتى هذا اللقاء، فى إطار زيارة البابا الرعوية لإيبارشية وسط أوروبا، والتى بدأت بوصوله إلى بولندا يوم الجمعة قبل الماضى، ثم رومانيا التى يقضى فيها عدة أيام بين أنشطة رعوية، وزيارات رسمية، وفقاً لأجندة الزيارات الرعوية لعام ٢٠٢٥.
واختتم البابا، زيارته لبولندا، والتى استمرت أربعة أيام، الاثنين الماضى، حيث التقى خلالها أبناء الكنيستين القبطية، والإثيوبية، وألقى محاضرة بكلية أوروبا.
كما التقى الرئيس البولندى أندريه دودا، بالقصر الرئاسى فى ختام رحلته، بجانب رئيس أساقفة وارسو للكنيسة الكاثوليكية المطران أدريان چوزيف غالباس، وأقامت السفارة المصرية فى وارسو حفل عشاء رسميا، وأجرت عدد من وسائل الإعلام البولندية مقابلات معه فى سياق الزيارة.
يرافق البابا فى رحلته الرعوية الأنبا چيوڤانى أسقف وسط أوروبا، والأنبا فام أسقف شرق المنيا، والأنبا أكسيوس أسقف المنصورة، والراهب القس عمانوئيل المحرقى مدير مكتب قداسة البابا، والشماس چوزيف رضا من طاقم السكرتارية، والإعلامى مايكل ڤيكتور، الملحق الصحفى للزيارة، والشماس بيشوى جرجس من المكتب الإعلامى.



