رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس التحرير
سامي أبو العز
رئيسا التحرير
ياسر شورى - سامي الطراوي

في يوم الرابع والعشرين من مارس عام 1945، تخلد الذاكرة العربية ذكرى تأسيس جامعة الدول العربية في القاهرة، مدينة التاريخ والحضارة، التي لم تكن مجرد مقر رسمي لهذه المنظمة، بل كانت رمزا للطموح العربي المشترك وللرغبة الصادقة في الوحدة والتعاون بين شعوب الأمة. 

جامعة الدول العربية لم تولد صدفة، ولم تكن مجرد خطوة بروتوكولية، بل جاءت نتيجة إدراك عميق لضرورة التكاتف العربي في مواجهة التحديات التي كانت تحيط بالدول العربية في تلك الفترة، سواء من الاستعمار المباشر أو النفوذ الخارجي الذي كان يهدد سيادتها واستقلالها. 

مصر، قلب هذا المشروع وروحه، لم تكتف بدور المضيف، بل كانت المحرك الأساسي والداعم الأول، وملهمة جميع الدول الشقيقة بفكرة جامعة عربية تجمعها مصالح مشتركة، وتؤطر العمل العربي المشترك في إطار سياسي ودبلوماسي مستنير.

الدور المصري في تأسيس الجامعة العربية كان رياديا بحق، فقد كانت مصر تتعامل مع القضية العربية على أنها قضية وجود، لا مجرد مسألة إدارية أو دبلوماسية. 

من القاهرة انطلقت المبادرات والاجتماعات التنسيقية، ومن القاهرة توصل القادة العرب إلى رؤى موحدة لمواجهة تحديات تلك المرحلة الحرجة. 

مشاركة مصر لم تكن فقط في استضافة الاجتماعات، بل كانت مشاركة فكرية واستراتيجية، حيث قدمت رؤى وأفكارا لتعزيز التضامن العربي، وحماية سيادة الدول العربية، والدفاع عن الحقوق المشروعة للأمة العربية. 

الدول المؤسسة للجامعة، مثل سوريا ولبنان والعراق والسعودية والأردن، ثم اليمن الذي انضم لاحقا، كانت جميعها تدرك أهمية التواجد المصري كعامل موحد ومضاد للتفكك، ومصدر ثقة لاستكمال المشروع العربي.

ما تعلمته من هذه التجربة الوطنية، ومن تأملي لدور مصر الريادي، يعيدني دائما إلى جذور وطني، وإلى المدرسة التي غرست في حب الوطن وعشق ترابه، مدرسة الوفد. 

هناك، في أروقة تلك المدرسة العريقة، لم نتعلم فقط المناهج الأكاديمية، بل تعلمنا كيف يكون الوطن أسمى قيمة، وكيف يكون الدفاع عن كرامته واجبا مقدسا، وكيف أن الانتماء الحقيقي لا يكون بالكلمات الفارغة، بل بالأفعال الجادة والمبادرات الصادقة. 

مدرسة الوفد علمتني أن حب الوطن يعني أيضا الاهتمام بالقضايا العربية المشتركة، وأن العروبة ليست مجرد كلمة تتردد، بل موقف وتفكير واستراتيجية تعمل على وحدة المصالح وتوطيد الروابط بين الدول الشقيقة.

اليوم، وبعد مرور أكثر من سبعة عقود على تأسيس الجامعة العربية، نجد أنفسنا أمام تحديات جديدة، لكنها ليست أقل أهمية من تلك التي واجهت أجدادنا. 

الصراعات الإقليمية، والانقسامات السياسية، والتهديدات الاقتصادية، وكذلك التدخلات الخارجية، كل هذه الأمور تجعل من الوحدة العربية عملا أكثر صعوبة وأكثر إلحاحا. 

وفي هذا السياق، يظل المثال المصري الريادي في دعم المبادرات العربية المشتركة نموذجا يحتذى به، لأنه يثبت أن الإرادة الوطنية الصادقة يمكن أن تحدث فارقا، وأن القيادة الحقيقية ليست في القوة العسكرية أو الاقتصادية فقط، بل في القدرة على جمع الصفوف وإعادة الروح للعمل العربي المشترك.

الجامعة العربية اليوم بحاجة إلى استعادة روحها التأسيسية، روح التكاتف والتعاون، والابتعاد عن الصراعات الداخلية والانقسام الذي يضعفها أمام التحديات الكبرى. 

مصر، كما كانت دائما، قادرة على لعب هذا الدور الريادي، ليس فقط لأنها أكبر دولة عربية سكانا أو لأنها تمتلك تاريخا طويلا في القيادة العربية، بل لأنها تحمل في وعيها جمعيا وطنيا وروحا قادرة على تجاوز المصالح الضيقة لتحقيق المصلحة العامة للأمة العربية، هذه الروح هي نفسها التي غرستها فينا مدرسة الوفد، روح الانتماء والتفاني والإيمان بأن الوطن أكبر من أي خلاف أو صراع.

إن الحديث عن جامعة الدول العربية اليوم لا يجب أن يقتصر على ذكر التاريخ أو الاحتفاء بالذكرى، بل يجب أن يكون دعوة للتفكير والعمل. 

دعوة لكل عربي أن يستشعر قيمة الوحدة، وأن يفكر في دوره كمواطن مشارك في هذه الأمة، وليس كمراقب منفصل عن الأحداث، فالوحدة العربية ليست رفاهية، بل هي حاجة استراتيجية، وأي تأجيل أو تراخ فيها يضع المستقبل أمام مخاطر أكبر. 

وكلما استعدنا قيم التضامن والعمل المشترك، وكلما استلهمنا الدروس من دور مصر الريادي، وكلما حافظنا على الحب العميق للوطن الذي تعلمناه منذ صغرنا في مدارس مثل مدرسة الوفد، كلما اقتربنا من تحقيق غايتنا الكبرى: أن تكون الأمة العربية قوة واحدة، متماسكة، قادرة على حماية نفسها وتحقيق تطلعات شعوبها.

وفي النهاية، لا يمكن أن ننكر أن جامعة الدول العربية، رغم كل العقبات، تظل رمزا للهوية العربية، ولحاجة شعوبنا إلى العمل المشترك، ورمزا لإرادة مصر القومية في قيادة هذه المسيرة. 

وعلينا نحن الجيل الجديد أن نستحضر هذه الروح، ونحول الذكرى إلى موقف عملي، وأن نعمل على تعزيز أواصر التعاون العربي، ليس بالاحتفال فقط، بل بالأفعال، وبكل ما يمكن أن يجعل هذه الأمة أقوى وأقدر على مواجهة تحديات العصر، مستلهمين بذلك دروس التاريخ، وروح مدرسة الوفد التي غرست فينا حب الوطن والعمل من أجل مستقبل أفضل للأمة العربية جمعاء.