أيديولوجية اليمين تحكم، هذا هو شعار الإدارة الأمريكية الجديدة، فالإدارة الأمريكية الحالية إدارة أيديولوجية يمينية بامتياز. ترامب نجح خلال ولايتيه الأولى والثانية فى توحيد أطياف اليمين المتطرف، بداية من هجومه على إدارة بايدن فى ملف الهجرة على وجه التحديد باستخدام نظرية «مؤامرة الاستبدال العظيم» اليمينية المتطرفة للناشط الفرنسى رينو كامو التى تقضى بأن السكان الأوروبيين الأصليين قد تم استبدالهم ديمغرافيا بشكل ممنهج بغير الأوروبيين من أفريقيا والشرق الأوسط وهى التى شكلت أساساً لكراهية الآخر فى أوروبا. نفس الأمر اتبعه ترامب وحملته الانتخابية تجاه إدارة بايدن الديمقراطية وكيف أنها عملت على السماح لدخول المهاجرين خاصة اللاتينيين لتحل محل مجموعات الناخبين من الأمريكيين البيض والمجموعات البروتستانتية، والإنجيلية. رغم خطورة ذلك وما نتج عنه من تعزيز حالة الاستقطاب السياسى والمجتمعى داخل الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن «الاستبدال العظيم» انتقل ترامب وإداراته إلى منحنى يمينى أكثر تطرفاً من خلال نظرية «اللاديمقراطية» بمسمياتها المختلفة «التنوير الظلامى» أو «الرجعية الحديثة» للمدون الأمريكى كورتيس يارفين أو المعروف باسم «مينسيوس مولدباغ» نسبة إلى فيلسوف صينى كونفوشى. وتقوم نظرية «التنوير الظلامى» على مناهضة الديمقراطية ورفضها، ورفض مبدأ المساواة بشكل عام، وأن الديمقراطية الأمريكية على وضعها الحالى هى ديمقراطية فاشلة يستوجب حوكمتها، وأن الولايات المتحدة يجب أن تتحول بنيتها المؤسسية من بنية مؤسسية سياسية قائمة على التعدد والديمقراطية إلى بنية الشركات ومؤسسات الأعمال التى يمكن إخضاعها للحوكمة والمساءلة.
ومن أشد أنصار تيار كورتيس يارفين نائب الرئيس الأمريكى جيه دى فانس، ورجل الأعمال إيلون ماسك، وهو ما يفسر المنصب الذى استحدثه ترامب لماسك تحت مسمى «وزارة الكفاءة الحكومية» التى شعارها الرئيسى حوكمة الحكومة الفيدرالية الأمريكية، وخفض الإنفاق الحكومى الفيدرالى. لكن على ما يبدو أن الهدف الرئيسى هنا هو تحويل الولايات المتحدة لشركة ملكية خاصة يترأسها ترامب تخضع للحوكمة والمحاسبة لا مكان فيها للديمقراطية ومحركاتها.
هذه الأجندات الأيديولوجية اليمينية المتطرفة الحاكمة لتوجهات الإدارة الأمريكية تفسر أيضاً توجهات تلك الإدارة تجاه الأوضاع فى الشرق الأوسط، فهى تتعامل كشركة أو مؤسسة تطوير عقارى، تعمل على إبرام صفقات رابحة لها وللمساهم الأكبر والأهم لها، وهنا فى هذه الحالة المساهم الأهم للولايات المتحدة هو إسرائيل. وهذه الأجندات الأيديولوجية المبطنة فى كثير منها بغطاء دينى تفسر هذا الانحياز المبالغ فيه أمريكياً تجاه إسرائيل.
على الجانب الآخر تلقفت إسرائيل هذه الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة ودعمتها وعملت على تعميق توجهاتها بداية من الحملة الانتخابية للرئيس ترامب رغم محاولات بايدن البائسة لاستمالة إسرائيل لمرشحته كاملا هاريس. لكن إسرائيل وجدت فى ترامب ضالتها المنشودة، فتوجهاته اليمينية تتماهى تماماً مع توجهات أقصى اليمين الحاكم فى إسرائيل وتخدم مصالح وتطلعات حكومة نتنياهو.
هى إذن توجهات يمينية شعبوية متطرفة حاكمة تستدعى موقفاً عربياً موحداً إن لم يكن موقفاً عالمياً موحداً، خاصة الغرب إن أراد إنقاذ الديمقراطية بتطبيقاتها الليبرالية الغربية قبل أن تهدم بأيدٍ أمريكية.