سورة الحجرات.. منهج إلهي في تهذيب السلوك

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية أن سورة الحُجُرات من السور المدنية التي نزلت لتُرسِّخ مبادئ الأخلاق والتعاملات بين المسلمين، وتحدد أسس الاحترام والتقدير في العلاقات الإنسانية، سواء مع الله ورسوله ﷺ أو بين الناس أنفسهم.
قع السورة في الجزء السادس والعشرين من المصحف الشريف، وتحتوي على ثماني عشرة آية نزلت بعد سورة المجادلة، وتُسمَّى بـ "سورة الآداب" لما اشتملت عليه من أحكام وتوجيهات إلهية تنظم العلاقات الاجتماعية، وتؤسس لثقافة الاحترام والتسامح بين الأفراد.
سبب نزول السورة وأهم مقاصدها
تابع المركز أنه جاء في أسباب نزول بعض آيات هذه السورة عدة روايات، أبرزها ما ذكره عبد الله بن أبي مليكة، حيث وقع خلاف بين سيدنا أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما حول تعيين أحد زعماء بني تميم، وارتفعت أصواتهما أمام النبي ﷺ، فنزل قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحُجُرات: 2).
وهذا يدل على أهمية الأدب مع النبي ﷺ، كما يعكس الهدف العام للسورة وهو ترسيخ القيم الأخلاقية والتعاملات الراقية في المجتمع الإسلامي.
النداءات الإيمانية في السورة
ووضح: تميزت سورة الحجرات بأنها خاطبت المؤمنين بصفة الإيمان خمس مرات، وفي كل مرة كان هناك توجيه إلهي هام، يرسم قواعد الأخلاق الإسلامية، ويعزز القيم المجتمعية، ومنها:
وجوب طاعة الله ورسوله والتسليم لأوامرهما
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (الحُجُرات: 1).
- أي عدم تقديم الرأي أو الحكم على أوامر الله ورسوله، والامتثال التام للتعاليم الإلهية.
تعظيم النبي ﷺ واحترامه
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحُجُرات: 2).
- تأكيد على ضرورة التأدب مع النبي ﷺ، وعدم رفع الصوت عنده احترامًا لمقامه الشريف.
التثبت من الأخبار قبل نشرها
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} (الحُجُرات: 6).
- تحذير من نشر الشائعات والأخبار الكاذبة دون التحقق من صحتها، لما في ذلك من تأثير على استقرار المجتمع.
النهي عن السخرية والاستهزاء والتنمر
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَىٰ أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ} (الحُجُرات: 11).
- دعوة لاحترام الآخرين وعدم الاستهانة بهم، حيث إن قيمة الإنسان لا تُقاس بالمظاهر بل بالتقوى والعمل الصالح.
تحريم التجسس والغيبة وسوء الظن
- قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ} (الحُجُرات: 12).
- توجيه إلهي بعدم التجسس أو الخوض في أعراض الناس، لما في ذلك من فسادٍ للعلاقات الاجتماعية.
التأكيد على الأخوة والتعاون بين المسلمين
سورة الحجرات جاءت لتؤكد أن المجتمع الإسلامي يقوم على الأخوة والتعاون والتسامح، حيث قال الله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (الحُجُرات: 10).
وهذا يرسخ قيمة إصلاح ذات البين، ويحث المسلمين على نبذ الخلافات والتعاون في الخير، بدلًا من التنازع والتخاصم.
معيار التفاضل بين البشر هو التقوى
من أهم القيم التي أرستها السورة هو أن ميزان التفاضل بين الناس ليس المال أو الجاه أو النسب، وإنما التقوى، حيث قال الله تعالى:
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحُجُرات: 13).
وهذا يحث المسلمين على العمل الصالح والتنافس في طاعة الله، بدلًا من الانشغال بالمقارنات المادية السطحية.