رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

رسوم جمركية والاستيلاء عل غزة وأزمة أوكرانيا

ترامب بين الفوضى والتراجع... قرارات متقلّبة تربك الحلفاء والخصوم

ترامب
ترامب

تهديدات متضاربة لحماس وروسيا وإيران... ازدواجية القرار فى واشنطن
محللون: من فرض العقوبات إلى المديح... هل هى استراتيجية  أم ارتباك سياسى؟
 


فى عالم السياسة، تُعَدّ القرارات الرئاسية مؤشرًا على الرؤية الاستراتيجية للإدارة الحاكمة، إلا أن تكرار التراجع عن هذه القرارات يُثير تساؤلات حيال وضوح التوجهات ومدى ثبات الأولويات. فى هذا السياق، يبرز الرئيس الأميركى دونالد ترامب كرئيس يُعرف بتقلّباته السياسية، إذ يُصدر قرارات حاسمة ثم يُعيد النظر فيها، ما يُنتج حالة من الضبابية السياسية، ويُبقى الداخل والخارج فى حالة تأهّب دائم لمفاجآت غير محسوبة.
تتساءل نيويورك تايمز  هل يريد الترشح لولاية ثالثة، أم أنها مجرد مزحة؟ هل ينوى الاستيلاء على غزة وطرد ملايين الفلسطينيين، أم أنها مجرد اقتراح؟ أى شخص يبحث عن إجابات نهائية سيكون من الصعب عليه العثور. 
طوال حياته المهنية كرجل أعمال وسياسي، أصبح  ترامب معروفًا بقدرته على عقد الصفقات بقدر ما كان معروفًا بإتقانه للتناقضات، لقد تفاخر ترامب بأسلوبه المتعرج فى الحديث، والذى يسميه «النسيج»، وغالبًا ما يفكر فى أشياء – مثلما إذا كان ينبغى منحه فترة ولاية ثالثة محظورة دستوريًا – بغمزة أو ايمائه.
< غزة بين الاستيلاء و«التوصية» 
فى الشهر الماضي، وبعد إعلانه المذهل بأن الولايات المتحدة ستسعى إلى الاستيلاء على قطاع غزة، وتهجير السكان الفلسطينيين بشكل دائم وإعادة بناء الجيب الساحلى باعتباره «ريفييرا الشرق الأوسط»، غيّر ترامب اقتراحه عدة مرات على مدى أسبوعين، قبل أن يقول إنه مجرد توصية . و فى وقت سابق من هذا الأسبوع، خلال خطاب أمام الكونجرس، دعا ترامب جرينلاند إلى اختيار أن تكون مملوكة للولايات المتحدة. وقال: «نحن ندعم بقوة حقكم فى تحديد مستقبلكم، وإذا اخترتم ذلك، فنحن نرحب بكم فى الولايات المتحدة الأمريكية».
التعريفات الجمركية: عقوبات تُفرض ثم تُجمَّد
من بين أكثر القرارات التى أثارت جدلًا، كان إعلان ترامب عن فرض تعريفات جمركية عقابية على واردات السيارات من كندا والمكسيك، بدعوى حماية الصناعة الأمريكية. إلا أنه لم يكد يمر يوم على القرار، حتى أُعلن تجميده لمدة شهر، بعد ضغوط من الرؤساء التنفيذيين لشركات السيارات الكبرى، الذين حذّروا من العواقب الكارثية لمثل هذه الإجراءات. هذه الخطوة لم تكن سابقةً منفردة، بل جاءت فى سياق سلسلة من السياسات الاقتصادية التى تفتقر إلى الاتساق، ما أثار مخاوف المستثمرين وعزز حالة عدم اليقين الاقتصادي.
أوكرانيا... ارتباك فى المواقف يحرج واشنطن
فى سياق السياسة الخارجية، لم تكن الأزمة الأوكرانية بمنأى عن هذه التقلّبات. فى الأسبوع الماضي، زار الرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى واشنطن لتوقيع صفقة معادن نادرة، اعتبرها ترامب «انتصارًا أمريكيًا»، لكن اللقاء شهد فصولًا درامية غير متوقعة عندما تسبب نائب الرئيس جيه دى فانس فى استفزاز زيلينسكي، ما أدى إلى طرده من البيت الأبيض. وأعقب ذلك موجة من الارتباك بين الحلفاء الأوروبيين، الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل مع تداعيات موقف أمريكى غير مستقر، يتأرجح بين دعم كييف وإثارة التوترات معها.
وفى موقف مسبق لذلك وصف ترامب فى منشور على وسائل التواصل الاجتماعى  زيلينسكي، بأنه «ديكتاتور بلا انتخابات». وفى وقت لاحق، عندما سُئل عما إذا كان يعتقد ذلك بالفعل، قال ترامب: «هل قلت ذلك؟ لا أصدق أننى قلت ذلك».
ويزعم مسئولون فى البيت الأبيض أن ترامب يظهر مهارته كمفاوض صارم، خاصة فى مسائل السياسة الخارجية، حيث تتكيف رسائله مع سيولة المواقف الخطيرة. وقال أحد مساعديه إن غموض ترامب بشأن المواقف فى الشرق الأوسط وأوكرانيا دفع المنطقتين إلى الاقتراب من السلام.
حماس... تهديدات علنية ومفاوضات سرية
أما على صعيد الملف الفلسطيني، فقد عكس تعاطى ترامب مع حركة حماس ازدواجية غير معهودة. ففى الوقت الذى خرج فيه بتصريحات نارية متوعدًا الحركة بعد لقائه رهائن إسرائيليين محرَّرين، كشفت التقارير عن أول مفاوضات مباشرة بين مسؤولين أمريكيين وحماس، وهو ما مثّل تناقضًا صارخًا بين العلن والممارسة الفعلية. هذه المراوغة السياسية أثارت حيرة المحللين، إذ كيف يمكن الجمع بين خطاب تصعيدى ضد الحركة من جهة، والجلوس معها على طاولة التفاوض من جهة أخرى؟
إيلون ماسك وتفكيك البيروقراطية... الفوضى تمتد إلى الداخل
لا تقتصر حالة الفوضى وعدم اليقين على القرارات الرئاسية وحدها، بل تتجلى أيضًا فى السياسات الداخلية. إيلون ماسك، أحد أبرز الفاعلين الاقتصاديين فى الإدارة الحالية، يقود حملة شرسة ضد البيروقراطية الحكومية، عبر تسريح عشوائى للعمال وتقديم حلول راديكالية غير مدروسة. هذه الإجراءات، إلى جانب التقلبات فى السياسات الاقتصادية، تُفاقم من هشاشة الاقتصاد الأمريكى وتُضعف ثقة المستثمرين. حتى طلب منه ترامب ذات يوم تجديد حده عقوباته على الموظفين وان يكون اكثر عنفا والان يحاول تحجيمه بعدما اكتشف بعض الخسائروفى اليوم الثانى يصطحبه لمنتجعه مار ألاغو.
سياسة «أمريكا أولًا»... هل تُعيد تشكيل النظام العالمي؟
مع دخول إدارة ترامب فى شهرها الثاني، بدأت ملامح نهج جديد تتبلور: تفكيك المؤسسات التى أسست للهيمنة الأمريكية، سواء على المستوى التجارى أو الأمني. إصرار ترامب على فرض رسوم جمركية تُعيد إلى الأذهان سياسات القرن التاسع عشر، ودعوته لتقليص النفوذ الفيدرالي، يخلقان حالة من عدم الاستقرار فى الداخل والخارج. وزيرة الخارجية الكندية ميلانى جولى وصفت ما يحدث بأنه «دراما نفسية» لا يمكن لكندا أن تتحملها كل شهر.
لم يكن ذلك التوصيف بعيدًا عن الواقع، فالحكومة الكندية، مثل غيرها من حلفاء الولايات المتحدة، تجد نفسها فى حالة من الحيرة المستمرة تجاه نوايا واشنطن. فبينما يدّعى ترامب أن كندا لا تبذل ما يكفى لمنع تهريب الفنتانيل، تُظهر البيانات أن هذه المشكلة ضئيلة. وبالمثل، يشتكى من تدفّق المهاجرين غير الشرعيين من الجنوب، فى حين أن الأرقام لا تعكس أزمة فعلية. هذه السلوكيات دفعت بعض المسئولين فى أوتاوا إلى الاعتقاد بأن هدف ترامب الحقيقى هو إضعاف كندا تمهيدًا لابتلاعها اقتصاديًا.
ورغم الفوضى، لا يمكن إنكار بعض النجاحات التى حققتها الإدارة عبر نهجها القائم على الضغط والتهديد. على سبيل المثال، أثمر تهديد ترامب حول سيطرة الصين على موانئ قناة بنما عن شراء شركة «بلاك روك» الأمريكية لهذه الموانئ، مما عزز النفوذ الأمريكى هناك. كما أن سياساته دفعت حلفاء الناتو إلى زيادة ميزانياتهم الدفاعية، وهو مطلب رفعه رؤساء سابقون دون جدوى.
لكن، فى المقابل، خلقت هذه السياسات تصدعات خطيرة فى العلاقات العابرة للأطلسي، إذ يرى كثيرون أن ترامب أكثر اهتمامًا باستعراض القوة الشخصية بدلاً من بناء تحالفات استراتيجية متينة. حيث قالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، التى تتشارك مع ترامب فى كونها وافدة جديدة إلى السلطة، لم تُخفِ احتمال بحث بلادها عن شركاء تجاريين جدد «إذا لزم الأمر».
الاقتصاد الأمريكى فى مأزق... ومستقبل مقلق
تداعيات هذه السياسة المرتبكة تنعكس بوضوح على الاقتصاد. حالة عدم اليقين المستمرة تُلقى بظلالها على الأسواق، حيث شهد الدولار انخفاضًا حادًا الأسبوع الماضي، بينما بدأت الاستثمارات الأجنبية تبحث عن بدائل أكثر استقرارًا. وكما أشار روتشير شارما، أحد أبرز المستثمرين العالميين، فإن هذا التقلب يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم جدوى الاستثمار فى الولايات المتحدة، فى ظل بيئة سياسية غير مستقرة.
مع استمرار ترامب فى توجيه السياسة الأميركية وفق إيقاعٍ غير منتظم، يجد الحلفاء التقليديون أنفسهم أمام معضلة صعبة: هل يُمكنهم الصمود أمام هذه العواصف السياسية أم أن الوقت قد حان لإعادة رسم مساراتهم المستقلة بعيدًا عن ظل واشنطن؟
قد يكون نهج ترامب فى العقارات ناجحًا عندما يتعلق الأمر بالمفاوضات التجارية، حيث تُفضَّل فيه المرونة على الصرامة. لكن عندما يكون الأمر متعلقًا بإدارة أكبر اقتصاد فى العالم، فإن الفوضى وعدم القدرة على التنبؤ ليستا بالضرورة ميزة، بل قد تُشكّلان بداية لتراجع النفوذ الأميركى عالميًا، لصالح قوى أخرى أكثر ثباتًا وتخطيطًا.
ترامب والتقلب المستمر: من التهديد بالعقوبات إلى الإشادة بروسيا 
فى مشهد جديد يعكس التخبط السياسى داخل البيت الأبيض، شهدت الساعات الأخيرة تناقضًا صارخًا فى موقف الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تجاه روسيا. فبينما خرج بتصريحات نارية مهددًا موسكو بعقوبات قاسية بسبب ما وصفه بـ«تصرفاتها غير المسئولة»، لم تمر سوى دقائق حتى أطل مجددًا، لكن هذه المرة ليشيد بروسيا، مؤكدًا أنها «تسعى للسلام» وأنها «قادرة على تحقيق الاستقرار العالمي».
هذا التضارب غير المسبوق دفع المحللين إلى التساؤل: هل هى مجرد استراتيجية ضغط أم أن الإدارة الأمريكية تتحرك دون رؤية واضحة؟ فترامب، المعروف بتغيير مواقفه بين ليلة وضحاها، يواصل تقديم نموذج غير مسبوق فى السياسة الخارجية، حيث يتحول من التهديد إلى المصالحة فى لحظات، مما يزيد من حالة الغموض لدى الحلفاء والخصوم على حد سواء.
وفى ظل هذه التناقضات، يظل المشهد الدولى متوجسًا من تداعيات هذه السياسات، إذ لم يعد أحد قادرًا على التنبؤ بما سيفعله ترامب فى اللحظة التالية.
إيران بين الاتهامات والتفاوض: ازدواجية الموقف
لم تتوقف إدارة ترامب عن اتهام إيران بأنها المصدر الرئيسى لعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط، محمّلة طهران مسئولية تمويل الإرهاب، وإثارة الفوضى، وحتى التخطيط لاغتياله شخصيًا. فمنذ بداية ولايته، لم يفوّت ترامب فرصة للهجوم على النظام الإيراني، متوعدًا بعقوبات مشددة ومهددًا بالتصعيد العسكري، خاصة بعد الكشف عن شبكات تجسس إيرانية ونشاطات سرية قادت إلى توترات غير مسبوقة.
لكن فى تناقض آخر يضاف إلى سلسلة التقلبات السياسية، خرج ترامب ليعلن أنه بدأ مفاوضات مباشرة مع إيران، بل وأرسل رسالة غير متوقعة إلى المرشد الأعلى على خامنئي، فى خطوة فاجأت حتى أكثر المراقبين تفاؤلًا. فبعد سنوات من سياسة الضغط القصوى والحديث عن أن طهران «عدو لدود»، يجد العالم نفسه أمام مشهد جديد يعكس طبيعة سياسات ترامب المتغيرة- حيث العداء العلنى لا يمنع الجلوس سرًا على طاولة التفاوض.
هذا النهج المزدوج أثار تساؤلات حول مدى جدية إدارة ترامب فى التعامل مع الملف الإيراني، وهل هو جزء من استراتيجية أوسع، أم مجرد مناورة سياسية قد تنقلب فى أى لحظة؟
يقول جوليان إى زيليزر، أستاذ التاريخ فى جامعة برينستون: «إنه يقول الكثير، ولا يمكنك أن تحدده بدقة. النقطة ليست فى التناقض، بل فى إيجاد غطاء».
ويؤكد الخبراء أن هذا التنافر قد يصبح خطيراً. حيث قال جيسون ستانلي، أستاذ جامعة ييل الذى كتب كتباً عن الدعاية ومحو التاريخ: إن التناقضات التى يتحدث عنها  ترامب تتلخص فى حقيقة بسيطة. «إذا كنت تناقض نفسك باستمرار فأنت مراوغ».