رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري
رئيس حزب الوفد ورئيس مجلس الإدارة
د.عبد السند يمامة
المشرف العام
سامي أبو العز
رئيس التحرير
ياسر شوري

 

في غزة، ليس الإفطار موعداً لكسر الصيام فحسب، بل هو لحظة يتجلى فيها الصمود في أبهى صوره. هنا، حيث تُضاء المدن الآمنة بالأنوار، تُضاء موائد الإفطار في غزة بلهب القذائف، وتتشابك الأيدي على موائد من الصبر، لا تكاد تحمل إلا الفتات. في هذا الشهر المبارك، ورغم أنين الجوع ووجع الحصار، يرفع الفلسطينيون أكف الدعاء، يترنمون بآيات الصبر، ويرسمون بدمائهم ملحمةً جديدة من الثبات، بينما يظن الطغاة أن القهر والجوع قد يُركع الأحرار

حين يحين موعد الأذان، لا تُشعل أنوار البيوت، فقد محتها القذائف، ولا تعلو أصوات الملاعق، فليس ثمة ما يُؤكل، فقط همسات الدعاء، وأنفاس المتعبين، ودموع الصابرين. بعض التمرات تُوزع، بضع قطرات ماء تمر من يدٍ إلى يد، كأنها كنزٌ ثمين، وفي وسط هذا المشهد، يقف طفل بجوار أمه، ينظر إلى السماء منتظراً رزقًا لم يصل، لكن نظراته لا تحمل انكساراً، بل شموخاً يُبكي الحجر

وفي لحظة تقشعر لها الأبدان، ارتفع صوت الإمام في المسجد، صوته مخنوق بالعبرة، يطرق أبواب السماء قائلًا: "اللهم إننا جوعى فأطعمنا، وعراة فاكْسنا". يا الله! أي زمنٍ هذا الذي يجعل الدعاء بالطعام والكساء مطلباً لمن يملكون الحق في الحياة؟! أي قسوةٍ هذه التي تجعل البكاء خبزاً للصغار، والصبر زاداً للنساء، والموت جليساً للرجال؟! وددتُ لو أن الأرض انشقت وابتلعتني خجلاً من العجز، من الخذلان، من عالمٍ يقف متفرجاً كأنّ ما يحدث في غزة لا يعنيه

لكن، ورغم كل هذا، لا يزال رمضان في غزة شهراً يُعانق فيه الصبرُ الإيمان، وتحتضن فيه العزيمةُ الجوع. لا يزال الأقصى يُضيء، رغم ظلام الاحتلال، ولا تزال المآذن تصدح، رغم أنف القهر. في أول ليالي الشهر الكريم، خرج الفلسطينيون، كباراً وصغاراً، يقتسمون ما تيسّر من طعام، يصنعون من القليل وليمة كرامة، ومن الحرمان مائدة مقاومة

وكما سطّروا للعالم ملحمة صمودٍ في الحرب، فهم اليوم يسطرون ملحمةً أخرى في التكافل، يقفون متحدين، يواجهون الجوع بروحٍ لا تُقهَر، ويثبتون أن الاحتلال قادر على قصف بيوتهم، لكنه عاجز عن كسر عزائمهم


بينما تتكدس الثروات في قصور السلاطين، وتُبذّر الأموال على توافه الأمور، يتساءل الجائعون في غزة: أين أثرياء المسلمين؟! أين أموال النفط؟ أين خزائن الذهب؟ كيف يُترك الأطفال يموتون جوعاً بينما تُقام الولائم العامرة في المدن الباذخة؟! أي ضميرٍ هذا الذي نام عن صرخات الثكالى، وأي نخوةٍ تلك التي لم توقظها عيون الأيتام؟

لكن، ورغم خذلان القريب، وصمت البعيد، ستظل غزة شامخة، عزيزة، رافعة الرأس. ففي رمضان، لا يُصام هنا عن الطعام فقط، بل عن الاستسلام أيضاً، ولا يُنتظر الإفطار فقط، بل يُنتظر الفجر، فجر الحرية الذي سيولد من رحم الصبر، ويُشرق ذات يوم، ولو بعد حين