هوامش
فى عصر المعلومات الرقمية، أصبحت الشائعات أحد التحديات الكبرى التى تواجه المجتمع المصرى، خاصة فى ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية التى تسهم فى تداول الأخبار بشكل أسرع من أى وقت مضى. ورغم أهمية هذه التقنيات فى توفير المعلومات والتواصل، فإنها قد تكون وسيلة فعالة لنشر الأكاذيب والمعلومات المغلوطة التى قد تؤثر بشكل كبير على الرأى العام وتُزعزع الاستقرار الاجتماعى والسياسى.
الحكومة تسعى جاهدة لمواجهة الشائعات، وقد أنشأت الدولة العديد من الوحدات الرقمية التابعة للجهات الحكومية مثل المجلس الأعلى للإعلام وهيئة الرقابة على الإعلام، التى تعمل على مراقبة المحتوى الإلكترونى، سواء عبر الصحف أو المواقع الإلكترونية أو تطبيقات التواصل الاجتماعى.
كما لعبت الأجهزة الأمنية فى مصر دورًا محوريًا فى التصدى للشائعات من خلال رصد ومتابعة ما يتم تداوله عبر منصات التواصل الاجتماعى والمواقع الإلكترونية.
كما تتم متابعة الحسابات المجهولة أو تلك التى تروج للشائعات بطريقة ممنهجة، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضد المسئولين عنها فى حال ثبت أنها تضر بالمصلحة العامة، بالإضافة إلى ذلك، تم تفعيل وحدات خاصة لإزالة المحتويات التى تروج للشائعات عبر الإنترنت.
ربما يكون أحد أبرز آليات التصدى للشائعات هو التوعية المجتمعية وتعريف المواطنين بكيفية التعرف على الأخبار المزيفة والشائعات، ومصر بدأت فى تنفيذ حملات توعية متعددة عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعى لشرح كيفية التحقق من الأخبار، وتشجيع الأفراد على عدم تداول أى معلومات قبل التأكد من مصادرها. كما أُقيمت دورات تدريبية للمواطنين حول كيفية استخدام الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى بشكل آمن وواعٍ.
وتسعى الحكومة المصرية إلى تعزيز الوعى الإعلامى بين فئات الشعب المختلفة، وهو ما يسهم فى الحد من انتشار الشائعات ويعزز من قدرة المواطنين على التمييز بين الأخبار الحقيقية والمزيفة.
وفى السنوات الأخيرة، بدأت الحكومة المصرية فى استثمار تقنيات الذكاء الاصطناعى وأدوات التحليل الرقمى لمكافحة الشائعات. عبر استخدام هذه التقنيات، تتم مراقبة التفاعلات عبر الإنترنت وتحليل البيانات التى يتم تداولها. كما يتم فحص الصور والفيديوهات باستخدام برامج متطورة يمكنها تحديد ما إذا كانت هذه المواد قد تم التلاعب بها أو إذا كانت جزءًا من حملة لترويج شائعات.
ومن بين الآليات القانونية التى تسهم فى الحد من انتشار الشائعات فى مصر، هناك تشريعات تهدف إلى تجريم نشر الأخبار الكاذبة. من أبرز هذه التشريعات قانون مكافحة جرائم الإنترنت، الذى يعاقب الأفراد أو الكيانات التى تنشر معلومات مضللة أو تشوه سمعة الأفراد أو المؤسسات. ويشمل هذا القانون فرض غرامات وعقوبات بالسجن ضد من يثبت تورطهم فى نشر الشائعات.
كما تم تعديل بعض القوانين لإدخال جزاءات رادعة على الصفحات الإلكترونية أو الحسابات التى تعمل على نشر الشائعات والأخبار الكاذبة عن عمد.
وأرى أن أحد الأساليب الفعالة فى التصدى للشائعات هو الرد السريع من وسائل الإعلام الرسمية على الأخبار المغلوطة. تعمل الحكومة على إصدار بيانات صحفية سريعة للرد على أى شائعة قد تؤثر فى الرأى العام، سواء كانت تتعلق بالشأن الداخلى أو الخارجى. كما تستخدم المؤسسات الإعلامية مثل التليفزيون المصرى ووكالة أنباء الشرق الأوسط منصاتها الرسمية لنقل الحقائق بسرعة وشفافية.
ومن المفترض أن تلعب منظمات المجتمع المدنى دورًا مهمًا فى نشر الوعى وتثقيف الناس حول كيفية التعرف على الشائعات والأخبار المزيفة. وتُشارك العديد من المنظمات الحقوقية فى تدريب الإعلاميين والمواطنين على كيفية التحقق من الأخبار واستخدام أدوات للتحقق من صحة المعلومات.
أما وسائل الإعلام المستقلة، فإن لها دورًا كبيرًا فى كشف الحقيقة والتأكد من صحة الأخبار قبل نشرها، ما يسهم فى تقليل فرص انتشار الشائعات.
إن التصدى للشائعات يتطلب تعاونًا بين المؤسسات الحكومية، القطاع الخاص، والمجتمع المدنى من خلال تطبيق مجموعة من الآليات المتمثلة فى التوعية المجتمعية، التشريعات القانونية، الرد السريع من وسائل الإعلام، والتعاون مع منصات التواصل الاجتماعى، يمكن للمجتمع المصرى أن يواجه هذه الظاهرة بفعالية أكبر. إن مواجهة الشائعات ليست مسئولية جهة واحدة فقط، بل هى عملية تتطلب جهودًا جماعية من أجل حماية المجتمع من المخاطر التى قد تنجم عن انتشار الأخبار الكاذبة، وهى أحد أسلحة حروب الجيل الخامس الفتاكة.
حفظ الله مصرنا من كل سوء.