سعد اللبان كان واحد من الشخصيات اللي رغم قصر فترة وجودها على رأس وزارة الأوقاف، إلا إن تأثيرها كان واضح ومشهود، لأنه جاب معه روح تنفيذية جديدة واهتمام دقيق بالجوانب المالية والإدارية للوزارة.
فترة توليه الوزارة، من 27 يناير لسنة 1952.م وحتى أول مارس من نفس السنة، كانت قصيرة لكن مليانة قرارات تعكس حرصه على ضبط العمل المؤسسي وتحسين آليات الإدارة، وكأنها رسالة واضحة لكل اللي بيشتغلوا في القطاع الديني والاجتماعي إن الوقت والمسؤولية لا يحتملان التهاون.
سعد اللبان لم يكن مجرد وزير مؤقت، لكنه كان سياسي مخضرم، عضو مجلس النواب ومعروف بمواقفه المستقلة، موقفه من قضية مكرم عبيد في يوليو 1943.م يوضح قوته في الدفاع عن الحق والحريات داخل البرلمان، لما رفض المشاركة في فصل عبيد بناء على ما جاء في الكتاب الأسود، وهذا الموقف يعكس شخصيته الواضحة وصدق وطنيته وحرصه على العدالة.
ومن هذا المنطلق، يمكننا أن نفهم طبيعة قراراته فيما بعد، فقد كان دائما يسعى إلى أن تكون كل خطوة عملية لها أثر إيجابي ملموس على المواطنين وعلى هيكل الدولة الإداري.
أثناء توليه وزارة الأوقاف، سعد اللبان ركز على الجوانب التنظيمية والمالية التي كان من المهم تطويرها، في 5 فبراير سنة 1952، أصدر القرار رقم 9 لتعديل المادة 13 من اللائحة الداخلية للمعاهد الصناعية، بحيث يتم صرف 25% من الرسوم الخاصة بفرقة الموسيقى مباشرة لتلاميذ الفرقة بعد كل حفلة، والباقي يذهب لكوادر الوزارة.
القرار ده كان أكثر من مجرد إجراء مالي، كان رسالة تقدير للمواهب الشابة وتشجيع لهم على العطاء، وفي الوقت نفسه ضمان لاستمرار العمل الإداري بكفاءة.
كذلك، في ١٧ فبراير من نفس السنة، أصدر القرار رقم ١٢ بنقل قلم الميزانية العامة ومطبعة الوزارة إلى المراقبة العامة للإدارة والخدمة الاجتماعية، بناء على توصيات لجنة الأوقاف بمجلس النواب.
الخطوة دي كانت بمثابة تعزيز للرقابة وتحسين الشفافية في إدارة الموارد، وهي خطوة تعكس حرصه على أن كل جنيه يصرف يخدم هدفا محددا ويحقق منفعة حقيقية.
ولم ينس قطاع الميكانيكا والكهرباء داخل الوزارة، فأصدر القرار رقم ١١ لسنة ١٩٥٢ بشأن هذا القسم، ليؤكد أهمية تطوير كل جزء من الوزارة بما يضمن كفاءة الأداء واستمراريته.
وفي ٢١ فبراير سنة ١٩٥٢، جاء القرار رقم ١٤ بندب صاحب العزة حسين شعير بك وكيل وزارة المالية المساعد للعمل بوزارة الأوقاف.
خطوة تبدو إدارية من الخارج، لكنها تعكس استراتيجية سعد اللبان في ربط العمل المالي بالإدارة الدينية بشكل مباشر، لضمان أن الموارد تدار بكفاءة وأن كل إداري في الوزارة يكون على مستوى المسؤولية.
سعد اللبان، رغم قصر فترة وزارته، ترك بصمة لا تمحى في تاريخ وزارة الأوقاف، لأنه لم يكتف بالقرارات الشكلية، بل أظهر روح القيادة المسؤولة، وروح الوطنية التي تجعل كل إجراء هدفه خدمة المواطن وتحقيق العدالة.
كما أن تجربته السياسية ومواقفه السابقة تعكس انسجام قراراته مع قيمه ومبادئه، وهذا شيء نادر ونحتاجه في أي إدارة، خاصة في وزارة الأوقاف، التي تمس حياة الناس اليومية على المستويين الروحي والاجتماعي.
إن الحديث عن سعد اللبان يجعلنا نفكر بجدية في قيمة الكفاءة والشفافية في أي منصب حكومي، ويجعلنا نقدر تأثير الشخص الوطني الصادق حتى لو كانت فترة وجوده قصيرة.
هذه الدروس من تاريخ مصر السياسي والإداري تثبت لنا أن الشخص المناسب في المكان المناسب، مهما كانت مدة وجوده، قادر على ترك أثر يستمر، ويشكل نموذجا يحتذى به للأجيال القادمة.