خط أحمر
رد فعل إيران على عملية اغتيال حسن نصر الله يبدو عصيًا على الفهم، وهو بالضبط كان رد فعلها أيضًا على عملية اغتيال إسماعيل هنية على أرضها فى طهران.
فليس سرًا أن «هنية»، رئيس المكتب السياسى لحركة حماس، كان رجلًا من رجالها فى المنطقة، وبالتحديد كان رجلها فى قطاع غزة.. فكثيرًا ما كان يتردد على إيران، وكثيرًا ما نقلت وسائل الإعلام صورًا له وهو هناك مجتمعًا مع المرشد على خامنئى، وعندما سافر إلى العاصمة الإيرانية فى آخر شهر يوليو، كان قد ذهب لحضور حفل تنصيب الرئيس الإيرانى مسعود بزشكيان، وهناك لقى مصرعه يوم 31 من الشهر.
بعدها قال «بزشكيان» إن إسرائيل حاولت باغتيال «هنية» جر بلاده إلى الدخول فى حرب مباشرة، غير أن إيران التزمت ضبط النفس.. هكذا قال الرئيس الإيرانى، وكلامه كما ترى غير مقنع، لأن حديث الناس بعد عملية اغتيال هنية كان عن قدرة حكومة المرشد خامنئى فى طهران على الانتقام لمقتل رئيس المكتب السياسى للحركة، لا على خوض حرب مع الدولة العبرية.
ولم يكن حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، يختلف عن هنية من حيث طبيعة العلاقة التى كانت تربطه بطهران.. صحيح أن علاقة الحزب كانت أقوى من علاقة حماس بحكومة المرشد، وصحيح أن علاقة نصر الله كانت أقوى من علاقة هنية بالمرشد، ولكنهما كانا رجلين بين آخرين لإيران فى أرجاء المنطقة.
وقد كان المتخيل أن اغتيال رجل مثل نصر الله سوف يقيم الدنيا فى إيران فلا يقعدها، ولكن ما حدث بدا غريبًا للغاية، وبدا رد الفعل مشابها لرد الفعل على اغتيال هنية، وكان كل ما قاله المرشد خامنئى أن لبنان سوف يجعل إسرائيل تندم على اغتيالها نصر الله!
وكأن حسن نصر الله قد صار لبنانيًا بعد اغتياله فقط، أما فى حياته فلقد كان يتصرف وتتصرف معه إيران كإيرانى، رغم أنه بالطبع لبنانى الجنسية، ورغم أنه من مواليد الشمال فى لبنان، ورغم أنه مواطن لبنانى إذا أخذنا ببيانات بطاقته الشخصية.
إن الصمت من جانب إيران تجاه عملية اغتياله هو ما يميز رد فعل حكومة المرشد، وإذا كانت قد أطلقت بعض عبارات التهديد والوعيد لإسرائيل، فإن ذلك بدا على سبيل ذر الرماد فى العيون لا أكثر.. وفى الإجمال نجد أنفسنا أمام علامتين للاستفهام لا ينقضى العجب فيهما.