عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عندما تضيق صدورنا ونشعر بحالات لا يمكن وصفها لا هى حالة من اليأس ولا من الإحباط، وإنما من الممكن أن نسميها حالة من الفقدان، فقدان التوازن النفسى والبقاء الإرادى فى اللاشعور.
نخلو بأنفسنا مع ذواتنا، ذواتنا فقط طارحين أجسادنا حيث حطت راحلتها متخلين عن ماديتنا بشهواتها الفانية، متحلين بشيم الكرام 
حالة من انصهار وذوبان الوعى الوجودى فى اللاوعى اللاحدودى، يحدث ساعتها دون أن ندرى حالة من التجلى، فيوضات ربانية وهبات صفائية ونسائم تعانق أرواحنا من عالم لا ندرى أين نحن منه وما حقيقتنا أمام حقيقته، وهل نحن منه وإذا كنا منه فلما يتركنا تتقاذفنا الأهواء والميول والشهوات والرغبات، لماذا لا يأخذنا إليه؟!
لكن وبعد هذه الحالة الوجدانية، نعاود أدراجنا ونتذكر هذه الرحلة، التى لم تستغرق وقتا طويلا وإنما هى لمحات وومضات وإشراقات قد لا تتجاوز ثوان معدودات كلمح البصر، فنرى فيها أنوار ينفسح لها القلب وينشرح بها الصدر ويأنس بها الفؤاد، وتهدأ معها ثوائرنا.
نعود إلى حالتنا الأولى، ونتساءل كيف حدث ذلك، لا يمكن أن يحدث هذا من فراغ ولا يمكن أن يتحقق هذا التجلى إلا بالتخلى، التحلى بكل صفات الحسان والاخيار والتخلى عن كل الأغيار والسلوك قلبا وقالبا، جملة وتفصيلا إلى رب الأغيار عروجا إلى سبوحات نورانية فسبوحات ربانية فإشراقات وإلهامات، ففناء عن الذات فبقاء فى حضرة المحبوب، وهذا هو مقام القرب دونما حلول ولا اتحاد وإنما قرب واقتراب، ولا يزال عبدى يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كان سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها وقدمه التى يمشى بها، وهذا هو مقام الحب الإلهى، فلولاه ما نجى موسى من الهلاك، الهلاك الأول، هلاك الصعق بعدما تجلى الله إلى الجبل فجعله دكا، فخر موسى صعقا، فمن الذى نجاه من الصعق مقام المحبة (وألقيت عليك محبة مني)، والهلاك الثانى، عندما قال أصحابه إنا لمدركون، قال موسى قول المحب حسن الظن بالله، كلا، إن معى ربى سيهدين، فكيف تحققت هذه الهداية بفعل المحبة، وبفعل المحبة لموسى بأمر من محبة الله انصاع البحر للعصا بفضل المحبة فصار فرقين، كل فرق كالطود العظيم .
وقبل هذين الهلاكين، بفعل المحبة سلب الله من البحر خاصية الإغراق وبفعل المحبة داعبت الأمواج الصندوق وكأنه مهد تهزه أم حنون حتى وصلت به إلى الشاطئ فى أمان، وبفعل المحبة طوع قلب فرعون قاتل الأطفال ورباه، وبفعل المحبة نجاه من القتل بعدما قتل نفس، وبفعلها أيضا منحه القوة التى أوقعت حب ابنة شعيب فى قلبها له فتزوجها بعد أن سقى لها، وبفضلها سخر له سيدنا الخضر نعم المربى ونعم الناصح الأمين.
نعم فإن الله تعالى إذا أحب عبدا نادى فى كل الأكوان فيسمع النداء كل المخلوقات إنى أحب فلان فأحبوه فيوضع له القبول عند أهل السماء قبل أهل الأرض.
فالمحبة سر الأسرار المكنونة فى قلب المحبين العارفين، لا يعرف حقيقتها إلا واهبها ومقدرها بقدرها فيهبها لمن يشاء كل على قدر إيمانه، فالمحبة ابتلاء واختبار ينجو من شراكها من قدرها حق قدرها فقد وقع فى شراكها شاب سئل موسى أن يدعو الله له أن يهبه محبته، فطلبها موسى له، فقال الله لن يتحملها كاملة ولكن سأعطيه جزء منها، فصار الشاب هائما على وجهه فى الصحراء لا يعلم ليله من نهاره، فقال الله لموسى فما باله لو أعطيته محبتى كاملة.
فالعطاء على قدر المشقة والاجتهاد، والطلب على قدر المطلوب، فالمحبة تخليا وتحليا تصبح مطلوبا بعد أن كنت طالبا، تصبح محبوبا بعد أن كنت محبا، فإذا ما صيرت محبوبا وقتها ستنجح فى الإختبار وترقى مراقى الأبرار، مراقى المصطفين الأخيار، مرقى النبى العدنان، الذى وصل بفضل المحبة إلى سدرة المنتهى التى عندها جنة الرحمن.
بفعل المحبة وسر الأسرار صاروا أولياء الرحمن، فها هو البصرى ورابعة والثورى والمحاسبى والدارانى والتسترى ومن قبلهم بلال وحمزة وخالد وعمر وعمرو وعلى وأبا بكر والعباس وابنه وعائشة و صفية وخديجة أولئك الأطهار.
كيف وصلوا إلى هذه المقامات من القرب، ذاكروا الدنيا جيدا فعلموا أنها دار فناء والآخرة دار بقاء، أولئك الذين طرحوا الدنيا خلف القفا ولبسوا الصوف على الجفا، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا ورهبا، يتساوى عندهم الليل والنهار، طعامهم القديد من الطعام، لباسهم الخشن من الثياب، يقتاتون من كد عملهم غير متواكلين.
هؤلاء هم الزهاد الذين قيل عنهم، من المؤمنين رجال فطنا، طلقوا الدنيا وخافوا الفتن، نظروا إليها، فلما وجدوها لجة، اتخذوا صالح الأعمال لهم فيها سفنا.
قال عنهم الله تعالى (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)
صدق الله العظيم ،،،،، 
أستاذ الفلسفة الإسلامية ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.