عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

رغم انخفاض الدولار واستمرار الإفراجات الجمركية

الأسعار لا تزال مشتعلة

بوابة الوفد الإلكترونية

تفاءل المجتمع المصرى خيرًا بقرارات الحكومة بتحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية أو ما يطلق عليه «تعويم الجنيه»، على اعتبار أنه طوق النجاة للاقتصاد المصرى، وسيؤدى إلى خفض الأسعار بعد القضاء على السوق السوداء التى أدت المضاربة فيها إلى وصول الدولار إلى أرقام قياسية لم تشهدها مصر فى تاريخها. 

إلا أنه بعد القرارات ووعود الحكومة المتتالية بتخفيض الأسعار واتفاقاتها مع الغرف التجارية وكبار المنتجين على خفض الأسعار، وجد المواطن المصرى نفسه فى نفس الخندق الذى يعيش فيه منذ شهور، وهو ارتفاع مستمر فى أسعار بعض السلع وأبرزها اللحوم والدواجن على عكس المتوقع، بينما انخفضت أسعار بعض السلع الأخرى بنسب ضئيلة لم ترتق إلى توقعات المواطن بعد قرار التعويم، ما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب ذلك، ولماذا لم تنخفض الأسعار بالشكل المطلوب عندما هبط سعر الدولار من 70  إلى 47 جنيهًا، فى الوقت الذى كانت ترتفع فيه بمجرد صعود الدولار جنيه أو اثنين. 

هذا الملف يرصد أبرز الحلول الممكنة للخروج من الأزمة، والخطوات التى تعتزم الحكومة اتخاذها لخفض الأسعار بالشكل المطلوب فى الفترة القادمة، ومن المتحكم فى تحديد الأسعار هبوطًا وصعودًا. 

 

تراجع 30٪.. نسبة غير عادلة

شهدت أسعار بعض السلع وخاصة الغذائية تراجعًا خلال الفترة الماضية، لكن نسبة هذا التراجع غير مرضية للمواطن المصرى، الذى يعانى بشدة بسبب الأزمة الاقتصادية طوال العامين الماضيين، وبعدما كانت الأسعار ترتفع مع كل صعود طفيف للدولار، أصبحت لا تنخفض رغم التراجع الكبير فى سعر الدولار، ما أثار الكثير من التساؤلات حول أسباب ذلك ولماذا لا تنخفض الأسعار بنسبة جيدة كما ارتفعت بشدة فى الماضى. 

يقول أحمد المنوفى مستشار الغرفة التجارية بالقليوبية، وأحد منظمى المبادرات الرئاسية لتخفيض الأسعار، إن نسبة التراجع لا بد ألا تقل عن 45% وليس 20٪ و30%، كما تم الإعلان عنه. 

وأرجع سبب ارتفاع الأسعار إلى أن جميع الشركات كانت تقوم بتسعير منتجاتها على 75 جنيهًا للدولار وليس 70 أو 60 جنيهًا بعد شرائها للدولار من السوق السوداء، ولكن هذا الوضع تغير الآن بعد تحرير سعر الصرف. 

أحمد المنوفى مستشار الغرفة التجارية بالقليوبية

وأشار مستشار الغرفة التجارية بالقليوبية، إلى أنه عندما تم التعويم بدأت بعض المبادرات لخفض الأسعار بنسبة 20%، لكن بعض الشركات التى تعودت على السرقة والنهب من قوت الشعب، قامت برفع أسعار الزيوت النباتية والحبوب وغيرها، على عكس المفترض أن يحدث بعد انخفاض الأسعار، خاصة أن الدولار أصبح متوفرًا فى البنوك بسعر 45 و50 جنيهًا بدلًا من 70 جنيهًا، ثم بعد الضغوط عليهم من جهات الدولة المختلفة قاموا بخفض الأسعار بنسبة بسيطة. 

وأضاف: «حتى بعد رفع أسعار البنزين لم يكن من المفترض أن ترتفع الأسعار لأننا لم نكن وصلنا بعد إلى السعر الطبيعى للدولار الذى وفرته الدولة، ولذلك وجدنا بعض أسعار الشاى عقب زيادة البنزين انخفضت من 65 إلى 55 جنيهًا، وبعض الأجبان انخفضت أسعارها 30 جنيهًا ومن المحتمل استمرار انخفاضها الفترة القادمة، بينما انخفضت الألبان ما بين 5% و10%، وهذا دليل على أن الانخفاضات مستمرة نتيجة هبوط الدولار إلى أقل من 48 جنيهًا بدلًا من 70 جنيهًا فى السوق الموازى، لكن بنسبة ليست كبيرة». 

وأشار «المنوفى» إلى أن بعض كبار المنتجين والمستوردين والتجار مازالوا متمسكين بالأسعار المرتفعة بحجة أنهم اشتروا كل البضاعة بأسعار غالية على أساس 70 جنيهًا للدولار، رغم أن مخازنهم ممتلئة بالبضاعة القديمة التى تم شراؤها بأسعار ما بين 40 إلى 50 جنيهًا للدولار وليس 70 جنيهًا، قائلًا، «الدولار كان بـ70 جنيهًا لمدة أسبوع أو أسبوعين فقط فهل اشترى التجار كل بضائعهم بهذا السعر؟.. طبعًا لا».

وأوضح أن الاتجاه الأهم الذى يجب اتباعه لتخفيض الأسعار وتقليل الاستيراد، هو الاهتمام بزراعة 5 محاصيل أساسية تتمثل فى الذرة الصفراء والقمح والصويا والقطن وقصب السكر، من أجل الحصول على زيوت بذرة القطن والصويا والذرة وتوفير استيرادهم من الخارج، لأننا نستورد 98% من الزيوت، كما أن هذه المحاصيل توفر الأعلاف التى تحل مشكلة ارتفاع أسعار الدواجن واللحوم. 

وأوضح «المنوفى»، أن أسعار اللحوم الحية تراجعت 30% لكن الجزارين لم يترجموا ذلك على أرض الواقع حتى الآن، وكذلك الدواجن لأن أسعار الأعلاف انخفضت بنسبة 45%، وكيلو الدجاج لا بد أن يصل إلى 60 جنيهًا فقط وليس 95 جنيهًا كما تم الإعلان عنه، وأسعار الأرز السائب بدأت فى النزول ووصلت إلى 25 جنيهًا بدلًا من 30 جنيهًا، ونحن فى انتظار مزيد من التراجع الفترة المقبلة. 

ويقول الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية، إن الأسعار ارتفعت بشكل كبير الفترة الماضية، بينما الانخفاضات لم تحقق رغبة المواطن، لأن البعض يرى أنه اشترى البضاعة بسعر مرتفع خلال فترة عدم توافر الدولار، وبالتالى لا يقوم بتخفيض أسعاره عندما يتراجع سعر الدولار، رغم أنه كان يرفعها بشكل يومى عندما كان الدولار يرتفع يوميًا أيضاً، ولذلك لا بد أن يكون هناك نوع من التوازن فى التسعير. 

الدكتور عبدالعزيز السيد رئيس شعبة الدواجن باتحاد الغرف التجارية

وأضاف أن رئيس الوزراء طلب من المنتجين خفض الأسعار 15٪ إلى 20%، بينما من المفترض أن تصل إلى 30% على الأقل، لأن الدولار حاليًا أقل من 50 جنيهًا، وكان المنتجون يشترونها بـ65 و70 جنيهًا، وبالتالى الفارق أكبر من 15 جنيهًا، أى أن الأسعار يجب أن تنخفض بنسبة 30%. 

وأوضح «السيد» أن المشكلة الأكبر من الدواجن هى أسعار البيض المغالى فيها بشكل غير طبيعى، ولا بد أن يكون انخفاض سعره فى كل المحافظات من أسوان إلى إسكندرية، وليس داخل شوادر المبادرات الحكومية فقط، مشيرًا إلى أن النقطة الميتة لصناعة الدواجن دائمًا ما تكون بين عيد الفطر وعيد الأضحى بسبب انخفاض الطلب على الدواجن والاستعداد لعيد الأضحى وشراء اللحوم، وبالتالى لا بد أن تنخفض أسعار الدواجن والبيض الفترة المقبلة. 

وعن التكلفة الفعلية لطبق البيض، قال رئيس شعبة الدواجن، إنه عبارة عن 5 كيلو علف، أى 105 جنيهات، ومع إضافة 10 جنيهات هامش ربح يكون السعر الذى من المفترض أن يباع به للمستهلك 115 جنيهًا، متسائلًا، «لماذا يباع بأكثر من 150 جنيهًا فى الأسواق»، موضحًا أن هناك حاليًا عجزًا فى قطاع الأمهات البياضة، وبالتالى يلجأ أصحاب المزارع إلى عملية تسمى «القلش» أى إعادة الدورة الإنتاجية مرة أخرى وبدلًا من بيع الدجاج الذى أنتج البيض، فإنهم يقومون بتجويعها وإعادة تدوير مرة أخرى، ووقتها تنتج بنسبة 60% فقط، ولكن بنفس تكلفة الدورة الأولى، وهذا قد يكون سببًا فى رفع الأسعار، لكن ليس بالشكل المبالغ فيه حاليًا. 

وأشار إلى أن تكلفة كيلو الدجاج الفعلية حاليا مع إضافة هامش الربح، لا يجب أن تزيد على 75 أو 80 جنيهًا، بعد حساب تكاليف الأعلاف وثمن الكتكوت والأدوية البيطرية، والتدفئة والعمالة والكهرباء وغيرها. 

وأكد «السيد» أن الحل الأمثل لمشكلة أسعار الدواجن والبيض فى مصر هو إنشاء بورصة حقيقية تستطيع أن تحدد تكلفة الإنتاج حسب المدخلات وهى سعر الكتكوت وتكلفة العلف والأمصال واللقاحات والتدفئة والعمالة والكهرباء، وهذه البورصة يكون على رأسها مجموعة من الجهات المعنية مثل وزارات الزراعة والتموين والتنمية المحلية والغرف التجارية واتحاد منتجى الدواجن، وبناء على الإعلانات الصادرة عن هذه البورصة يتم تحديد الأسعار ويلتزم بها الجميع.

وأوضح رئيس شعبة الدواجن، أن البورصة ستؤدى إلى انضباط المنظومة وثبات السعر بشكل أكبر لأن سوق الصرف بدأ يشهد استقرارًا حاليًا، وبالتالى سيكون من السهل تحديد وحساب التكلفة الفعلية، ودون ذلك ستظل العشوائية هى المسيطرة على السوق. 

تعطيش السوق.. أبرز الألاعيب الجديدة

فى الوقت الذى تسعى فيه الحكومة بكل قوة إلى الإفراج عن البضائع المكدسة فى الموانئ والتى كان يطالب أصحابها بسرعة الإفراج عنها حتى تنخفض الأسعار على المستهلكين، وبعد توافر الدولار فى البنوك وإمكانية الحصول عليه للإفراج عن البضائع، نجد أن هناك ألاعيب جديدة من التجار والمنتجين لمنع استلام الشحنات وإبقائها عليها فى الموانئ من أجل رفع الأسعار مستقبلًا على المواطن المصرى. 

دكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء

من جانبه قال الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس الوزراء، إن البضائع المتراكمة فى الموانئ وعدم خروجها كانت مشكلة فى السابق؛ بسبب عدم تدبير الدولة للدولار، وتم إلغاء القرار الخاص بالمدد الزمنية للمهمل والبضائع المتراكمة؛ فى ظل مقدرة المستوردين على تدبير الدولار، إلا أنه بعد توافر الدولار هناك بضائع فى الموانئ بـ1.7 مليار دولار أوراقها انتهت، والدولار موجود فى البنوك، لكن المستوردين لا يريدون استلامها، وينتظرون هبوط الدولار بشكل أكبر خلال الفترة القادمة حتى يفرجوا عنها ويحققوا مكاسب أكبر. 

وأضاف رئيس الوزراء، «ولذلك وجهت المالية بمصادرة تلك البضائع وعودة تطبيق المهمل والراكد، أنا كدولة خلصت اللى عليا.. قبل كده كدولة إحنا غلطانين ومقصرين لإننا مش عارفين ندبر عملة، طب أنا مدبر والإجراءات والورق خلص، هو مش عاوز يفرج عنها لأن الحكومة مدياه شهر ميدفعش غرامة ولا أرضيات، فأستنى لما الدولار ينزل كمان 5 جنيهات وأخرج الحاجة بالرخيص، هل ده منطق». 

يأتى ذلك فى الوقت الذى كشف فيه الدكتور محمد معيط وزير المالية، عن أن إجمالى قيمة البضائع المفرج عنها منذ بداية شهر مارس الماضى وحتى الآن بلغت أكثر من 8 مليارات دولار. 

الدكتور محمد معيط وزير المالية

وأضاف «معيط»، أن الوزارة تعمل مع كافة جهات الدولة على الإفراج الجمركى الفورى عن السلع الأساسية ومستلزمات الإنتاج الداعمة بشكل مباشر للصناعة؛ بما يتسق مع ما تستهدفه الحكومة من زيادة فى حجم المعروض السلعى بالأسواق، على نحو يساعد فى تحقيق التوازن بالأسعار، وفى إطار حرص الدولة على العمل المتواصل من أجل تخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين بقدر الإمكان.

وذكر وزير المالية، أن الوزارة تعمل أيضاً مع أجهزة الدولة على مواجهة أى ممارسات استيرادية تؤدى إلى تكدس السلع بالموانئ، حيث يتم التعامل بكل حسم مع أى بضائع يتركها أصحابها بالموانئ فوق المدد القانونية المقررة، لافتًا إلى أنه تقرر إحالة البضائع المكدسة بالموانئ بدون أى أسباب قانونية حتى نهاية مارس 2023 إلى المهمل واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بشأنها، خاصة أن الموارد الدولارية متاحة فى البنوك، لكن بعض المستوردين امتنعوا عن الإفراج عن شحناتهم دون مبرر قانونى، ويتم التعامل معهم بكل حزم.

ويقول الباحث الاقتصادى، محمد شادى، إنه بعد انتهاء أزمة سعر الصرف، وبدء توافر الدولار، يواجه عددًا كبيرًا من الشركات والتجار أصبحوا فى أزمة حادة، لأنهم سيبدأون الدخول فى مواجهة مباشرة مع المستهلكين، الذين كانوا يحرضونهم خلال الفترة الماضية على الحكومة بحجة الارتفاع المستمر لسعر الدولار أمام الجنيه وعدم توافره، أما الآن فالخيارات أصبحت محدودة أمام هؤلاء المنتجين وكلها تأخذهم فى اتجاه خفض الأسعار.

الباحث الاقتصادى محمد شادى

وأضاف: «لكن للأسف عدد كبير منهم - رغم أن هناك قطاعات بالكامل بدأت تخفيضات كبيرة مثل السيارات، والصناعات الغذائية، وخلافه- ما زال يقاوم بشدة، ولا يريد تخفيض الأسعار ويسعى لتحقيق أرباح على حساب المستهلكين فى السعر الرخيص للدولار مثلما حقق فى فترة الغلاء، وخلال الفترة الماضية بدأوا تنفيذ مجموعة من الألاعيب لعدم خفض الأسعار واستمرار الأوضاع كما هى، لتحقيق أكبر قدر من المكاسب». 

وأوضح الباحث الاقتصادى، أن من أبرز هذه الألاعيب عدم استلام الواردات، وهذه الحالة تجربة مصرية رائدة خالصة، التاجر فيها بعدما كان يشكو أن بضاعته محتجزة فى الموانئ ولا يستطيع إدخالها بسبب شح الدولار، أصبح الآن يرفض استلامها بعدما وفرت الحكومة الدولار، لأنه يرى أن اتجاه الدولار فى المدى المتوسط والقريب فى هبوط، وبالتالى أصبح مستعدًا لترك بضاعته فى الميناء حتى ينخفض الدولار لأقصى حد ثم يقوم باستلامها، مشيرًا إلى أن هذا السلوك لا يليق، لأنه تجويع للسوق ويرفع سعر السلع غير المتوفرة بشكل كاف، وفى نفس الوقت يقلل ثمنها على نفسه، وبالتالى يستفيد من الناحيتين، الأولى بخفض سعرها الجمركى والثانى بتحقيق أرباح أعلى بعد استلامها، لأن سعر السلعة سيرتفع بسبب عدم توافرها فى السوق. 

وأشار إلى أنه من ضمن الألاعيب التى يتبعها التجار والمنتجين حاليًا هو تصغير حجم السلعة، وهذا الوضع أصبحنا نراه بشكل دورى، حيث يقوم التاجر بتثبيت ثمن السلعة، لكنه يصغر حجمها أو وزنها، أو يقلل كميتها. 

وأوضح الباحث الاقتصادى، أننا بعد كل ذلك أمام سوق غير منظم، ويتسم بالفوضى، بسبب ضعف أجهزة تنظيم السوق، وأن الدولة لا تريد الصدام وفرض قيود صعبة فى ظل الوضع الاقتصادى المضطرب، لكن كلما زادت الفوضى زادت الضغوط على الحكومة حتى تضطر إلى التدخل وبشدة، وإذا تدخلت الحكومة سوف تقضى على هذا الوضع للأبد وسينقلب وضع السوق تمامًا، قائلًا: «أعزة أهلها هيبقوا أذلة».

 

الشركات والتجار.. سبب الزيادة الهائلة

أكد عدد من التجار أن هناك عدة أسباب وراء عدم انخفاض الأسعار فى الأسواق بشكل كبير، أبرزها سيطرة كبار المنتجين على الأسواق وتحكمهم فى الأسعار هبوطًا وصعودًا كما يحلو لهم، فضلًا عن شراء تجار التجزئة كميات كبيرة من البضائع بأسعار مرتفعة خلال الشهور الماضية، ولم ينتهوا من بيعها بالكامل حتى الآن. 

يقول قال أحمد هلال- عضو شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الغرف التجارية- إن تجار التجزئة لا يملكون القدرة على تحديد أسعار السلع أو تخزينها، ورأسمالهم هو البضاعة الموجودة فى محلاتهم، لأنه إذا قاموا بالتخزين فإنهم لن يستطيعوا الوفاء بالتزاماتهم. 

أحمد هلال عضو شعبة الأجهزة الكهربائية باتحاد الغرف التجارية

وأضاف أن تاجر التجزئة وسيط بين المستهلك النهائى وصاحب السلعة سواء كان منتجًا أو مصنعًا أو مستوردًا أو وكيلًا، مشيرًا إلى أن صاحب السلعة هو المتحكم الحقيقى فى السعر كما يريد. 

وأوضح عضو شعبة الأجهزة الكهربائية، أنه لا يمكن للتجار أن يبيعوا الأجهزة والبضاعة التى اشتروها بأسعار مرتفعة خلال الشهور الأخيرة بأسعار منخفضة لمجرد أن الدولار انخفض سعره، لأن الأساس كان الشراء بأسعار عالية، وهنا التاجر يكون أمام خيارين، الأول هو بيع السلع القديمة بالأسعار العالية ثم يشترى غيرها بأسعار أقل حتى يستطيع أن يخفض أسعارها، والثانى هو شراء بضاعة جديدة بأسعار أقل، ثم عمل توازن فى الأسعار بين الاثنين، لكن فى ظل الركود الذى شهدته الأسواق الفترات الماضية وارتفاع تكاليف والتزامات التجار سواء مرتبات أو إيجارات وكهرباء وغيره، فإنه سيكون من الصعب شراء بضاعة جديدة.

وأشار إلى أن السبب فى رفع التجار للأسعار خلال الشهور الماضية بمجرد ارتفاع الدولار هو زيادة المنتجين للأسعار بشكل يومى أو لحظى وإرسال بيانات بالأسعار الجديدة للتجار يوميًا، أما بعد انخفاض الدولار فلم تتراجع الأسعار بالشكل المطلوب من المنتجين. 

وأضاف: «ما نحن فيه الآن سببه قرارات اقتصادية تم اتخاذها على مدار السنوات الماضية لم تأخذ حقها فى الدراسة وصدرت بشكل أكاديمى نظرى دون النظر إلى أرض الواقع، وأبرز مثال على ذلك قرار الاستيراد بالاعتمادات المستندية بدلا من مستندات التحصيل، دون توفير الدولار فى البنوك ما تسبب فى أزمة كبيرة فى الأسواق». 

وأكد «هلال» أن الأسعار لن تنخفض بالشكل المطلوب إلا بعد نفاذ البضاعة التى تم شراءها بأسعار غالية عندما كان الدولار من 60 إلى 70 جنيها، بالإضافة إلى ضرورة حل مشكلة الدولار الجمركى الذى زاد بشكل كبير، كما أنه من المفترض ألا تتعامل كل السلع بنفس السعر، فالسلع الترفيهية كالسيارات وأكل القطط والكلاب وغيرها يجب التعامل معها بأعلى سعر للدولار الجمركى، بينما السلع الأساسية كالسلع الغذائية والأدوية والأجهزة الكهربائية المهمة لابد أن ينخفض فيها سعر الدولار الجمركى لمستويات أقل من السلع الترفيهية، قائلا: «مينفعش أروح اشترى عربية أو أكل كلاب وقطط واتحاسب عليه بـ50 جنيها للدولار الجمركى، وفى نفس الوقت اللى بيجيب قمح وذرة ودواء يتحاسب بنفس الـ50 جنيها.. ده مش منطق». 

كما أكد ضرورة حل مشكلة التسعيرة الاسترشادية فى الجمارك التى ترفع سعر السلعة بشكل أكبر من الفواتير الموثقة المشتراة بها من الخارج لتحصيل جمارك أعلى عليها، قائلا: «لو استوردت سلعة والفواتير بتاعتها بتقول إنها بـ10 دولارات، فإن الجمارك تحدد سعر السلعة بما يعادل 20 دولار، فنعمل لك تحسين لسعرها علشان يبقى 20 دولار ويتم الحساب الجمركى على السعر الاسترشادى، وده معناه زيادة الأسعار فى النهاية على المستهلك، وده بنعانى منه بقالنا 5 سنين». 

ويقول فتحى الطحاوى، عضو شعبة الأدوات المنزلية، أن السبب فى عدم خفض البعض لأسعار السلع بعد تراجع الدولار هو عدم الخوف من العقاب، كما نقول دائما «من أمن العقاب أساء الأدب».

فتحى الطحاوى عضو شعبة الأدوات المنزلية

وأوضح «الطحاوى»، أن المقصود هنا ليس عقاب الحكومة فقط، وإنما العقاب من المستهلكين الذين يجب أن يمتنعوا نهائيا عن شراء المنتجات التى لم تنخفض أسعارها، وهذا سيكون أكبر عقاب للتجار والمصنعين، مشيرا إلى أن المتحكم فى الأسواق حاليا هو ظاهرة «الأوفر برايس» غير القانونية التى كانت مقتصرة على السيارات فقط، والآن أصبحت فى أكثر من سلعة، وتسببت فى موجة كبيرة من ارتفاعات الأسعار، مطالبا الدولة بأن تضرب بيد من حديد على أى سلعة بها «أوفر برايس» لأنها تعتبر الوجه الآخر للسوق السوداء. 

وأكد عضو شعبة الأدوات المنزلية، أن الأزمة تحتاج إلى وقفة من جميع الأطراف سواء المستهلكين بالإحجام عن شراء السلع التى لم يخفض منتجوها أسعارها، أو الحكومة التى يجب أن تتدخل للقضاء على هذه الظاهرة. 

وأشار إلى أن الأدوات المنزلية لم ترتفع أسعارها بنفس النسبة الكبيرة التى ارتفعت بها سلع أخرى كثيرة، وزادت بنسبة 30٪ إلى 40%، وعقب انخفاض أسعار الدولار هناك عدد من السلع تراجعت أسعارها مثل المنتجات المصنعة من الاستانلس والخزف وغيرها بنسب تقترب من النسب التى ارتفعت بها، لافتا إلى أن السلعة التى كان سعرها 1300 جنيه أصبحت حاليا بـ1100 جنيه، لأنه رغم انخفاض الدولار إلا أنه تم زيادة الدولار الجمركى إلى 50 جنيها تقريبا بعدما كان 31 جنيها، وهذا أضاف أعباء على المستوردين قلصت أهمية انخفاض الدولار. 

وأضاف: «هناك سوقين لم ترتفع أسعارهما فى مصر بالشكل المبالغ فيه وهما الأدوات المنزلية والموبيليا، لأن عدد التجار فيهما ضخم وكبير وبالتالى التنافس كبير، ولا يوجد فرصة للتحكم فى السوق من جانب عدد معين من التجار كما يحدث فى بعض الأسواق الأخرى»، مشيرا إلى أنه مع استقرار سعر الصرف وتوافر الدولار، سوف نشهد موجات جديدة من انخفاض الأسعار، لأن الاستقرار يؤدى إلى حساب التكاليف بشكل دقيق لمدة طويلة، كما أن الأخطر من الدولار هو الإنتاج وتوافر المستلزمات وفتح الاستيراد لتوفير الخامات للمصانع لزيادة الإنتاج، لأنه كلما زاد الإنتاج انخفضت الأسعار، والعكس صحيح. 

وأوضح إلى أن المطلوب من الدولة الآن هو زيادة المنافسة فى كل القطاعات، لأن زيادة المنافسة تعنى عدم التحكم والسيطرة من جانب البعض فى السوق، وبالتالى رفع وخفض الأسعار كما يحلو للبعض. 

 

خبراء: حالة «عدم اليقين».. وراء الفوضى

أكد اقتصاديون، أن هناك عدة أسباب لا تجعل المواطن المصرى يشعر بانخفاض الأسعار خلال الفترة الأخيرة، تتمثل فى قرارات حكومية تم اتخاذها رغم التعويم وهبوط الدولار من 70 جنيهًا فى السوق السوداء إلى ما دون 48 جنيهًا حاليًا فى البنوك. 

وأوضح الخبراء أن هذه القرارات تسهم بشكل ما فى زيادة معدلات التضخم وليس العكس، مؤكدين ضرورة معالجة هذه القرارات حتى يشعر المواطن بانخفاض الأسعار. 

ويقول الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب، الخبير الاقتصادى، إن مشكلة عدم تراجع الأسعار تعود إلى استمرار ما يطلق عليه حالة عدم اليقين خاصة عند التجار. 

وأضاف أنه بعدما أعلن رئيس الوزراء فى نهاية فبراير ومطلع مارس أن هناك تدفقات مالية من صفقة رأس الحكمة بقيمة 35 مليار دولار و9 مليارات دولار من صندوق النقد الدولى والشركاء الدوليين ومثلهم من الاتحاد الأوروبى، بدأ ظهور حالة من الارتياح فى الأسواق وبالفعل شاهدنا انخفاضات فى أسعار بعض السلع، وكان أهمها البقوليات مثل العدس والفول وغيرها، لكن عندما جاء شهر رمضان ولم تتمكن الدولة من الوفاء بوعودها والإفراج عن السلع المكدسة فى الموانئ، وبطء حجم الإفراج عاد التوتر والمخاوف إلى الأسواق فبدأت أسعار السلع فى الثبات أو الانخفاض بنسبة طفيفة. 

الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى

وقال: «على سبيل المثال كان من المتوقع انخفاض أسعار الدواجن بنسبة تصل إلى 30% لكن ما حدث أن أسعارها ارتفعت، وكذلك اللحوم ارتفعت أسعارها بدلًا من انخفاضها، وكانت هناك آمال لتوافر السكر بسعر 27 جنيهًا الذى حددته الحكومة، لكن ما حدث أن الدولة وفرته إلى حد ما ولكن بأكثر من 35 جنيهًا». 

وأشار عبدالمطلب، إلى أن أسباب ذلك تتمثل فى عدم وضوح الرؤية بشأن حركة الاستيراد والإفراج عن السلع الموجودة فى الموانئ، ما يؤدى إلى مخاوف لدى التجار بأنهم قد لا يستطيعون تعويض ما يعرضونه من مخازنهم، إذا أقدمت الدولة على تقييد حركة التجارة والاستيراد أو كان هناك شح جديد فى الدولار كما حدث فيما سبق. 

وأشار الخبير الاقتصادى، إلى أنه من الصعب على المواطن أن يشعر بانخفاض الأسعار، لأنه حتى لو تراجعت حاليًا بنسبة 30% فإنها ستظل مرتفعة، لأن ما حدث فى يناير وفبراير هو ارتفاع للأسعار بنسبة تراوحت بين 200 و300% مقارنة بما كانت عليه فى أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2023، وبالتالى حتى لو حدث انخفاض بنسبة 50% فإنها ستظل مرتفعة بالنسبة لدخل المواطن، حيث إن الحد الأدنى حاليًا يصل إلى 150 دولارًا تقريبًا، وقبل الزيادة كان فى حدود 200 دولار، وبالتالى دخل المواطن ينخفض مع انخفاض سعر الجنيه، وهذا ما يجعل المواطن المصرى غير قادر على الشعور بأى نوع من التحسن فى الأسعار والأسواق، لأنه فى النهاية لن يتمكن من الحصول على احتياجاته من السلع والخدمات، لأن أسعارها مرتفعة مقارنة بدخله، حتى لو حدث بها انخفاض مقارنة بما كانت عليه من قبل، قائلًا: «اللحوم اللى وصلت إلى 450 جنيهًا لو تراجعت إلى 400 أو 350 جنيهًا هتفضل أسعارها غالية على المواطن».

وحول إمكانية انخفاض الأسعار بشكل أكبر خلال الفترة المقبلة، قال «عبدالمطلب»، إن الأمر يتوقف على وجود خطة حكومية حقيقية لإلغاء الحواجز التى تعترض حركة الاستيراد والتصدير، بحيث يكون هناك إمكانيات لمد السوق بالخامات ومستلزمات الإنتاج ما يؤدى إلى تشغيل المصانع المصرية، وبالتالى زيادة عرض السلع من الإنتاج المحلى وتكون أسعارها منافسة للسلع المستوردة، لكن إذا استمر الحال بالتضييق على حركة التجارة والاستيراد والتصدير فإن الإنتاج المحلى لن يكفى وستختفى المنافسة ما يؤدى إلى نوع من أنواع الاحتكار لدى التجار وقلة الإنتاج وبالتالى سترتفع الأسعار. 

وأضاف: «لكننا نميل إلى الجانب المتفائل خاصة مع التدفقات الدولارية القادمة من الخارج فى الفترة المقبلة، بالإضافة لتوجيهات صندوق النقد الدولى للحكومة، التى قد لا تجعل لدى الحكومة المصرية إمكانية لإعادة فرض قيود على حركة التجارة الدولية، ما قد يؤدى إلى نوع من الانسيابية فى استيراد السلع خاصة الغذائية منها، وبالتالى وجود أكثر من بديل للسلعة فى السوق، وإذا لم تنخفض الأسعار فإنها على الأقل ستستقر». 

ويقول الدكتور أيمن رفعت المحجوب أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة بجامعة القاهرة، إننا سعداء لما حدث من انخفاض كبير فى سعر الدولار أمام الجنيه المصرى، بعد أن كان قد ارتفع بصورة جنونية غير مبررة، وأغلبها مضاربات كادت أن تعصف بقيمة العملة المحلية، وتؤدى إلى عدم استقرار فى الاقتصاد، إلا أن هناك بعض الأمور يجب أن تتضح للجميع. 

الدكتور أيمن رفعت المحجوب أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة بجامعة القاهرة

وأشار «المحجوب»، إلى أن التعويم قد رفع قيمة الفاتورة الاستيرادية، والتى تمثل أكثر من ٦٠% من السلع والاحتياجات الأساسية للمواطن المصرى من ٣١ جنيهًا إلى ما فوق ٤٥ جنيهًا لكل دولار، ومع ارتفاع سعر الدولار على المستوردين، يرتفع بالتبعية سعر الدولار الجمركى، وتلك الزيادة تعرف فى علم الاقتصاد باسم زيادة فى سعر التكلفة من اتجاهين الأول سعر الاستيراد المباشر والثانى سعر الدولار الجمركى غير المباشر أى تضحم مزدوج.

وتوقع أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة، ألا تنخفض الأسعار فى الفترة القصيرة أو حتى المتوسطة، بل نأمل فقط أن تستقر، من المتوقع ألا يحدث ذلك أيضاً إلا بعد إحلال محلى للسلع والخدمات، محل الواردات الأجنبية، وهذا يتوقف على قدرة مصر على التصنيع المحلى وزيادة الحاصلات الزراعية.

وأضاف «من ناحية أخرى عن سوق العملات الأجنبية، ما زال السوق فى اضطراب رغم ثبوت متوسط الأسعار، وهذا الثبوت نسبى وصورى، لأن البنوك تعلن سعر تداول بيع وشراء يومى، والحقيقية هو سعر شراء فقط ليس سعر بيع إلا فى حدود ضيقة وفى اتجاهات محددة، وهذا يعنى فقر المعروض لدى الجهاز المصرفى المصرى، بالإضافة إلى ذلك هناك تحجيم لاستخدامات بطاقات الائتمان التى يضاف إليها نسبة تدبير عملة ١٠% للحد من الاستخدام».

وقال: «لا يمكن حسب النظريات الاقتصادية وقوانين العرض والطلب والتكلفة العادلة والثمن العادل فى حالات أرض وسقف الأسعار أن يكون سعر البيع والشراء فى البنوك أرخص من السوق الموازية، وذلك ببساطة لو هذا صواب، لماذا يبيع الناس فى السوق الموازية بسعر أقل مما قد يحصلوا عليه من البنك، هذا يكون نوع من الغباء، ولكن حقيقة الأمر أن ثبات السعر لا يعنى الحقيقة على أرض الواقع، فالسوق الموازية قد تشترى فعلا بسعر البنك أو أعلى قليلا، ولكن فى المقابل لا تبيع على الإطلاق، وإن باعت، يكون السعر مبالغًا فيه، وعلى صعيد البنوك، فالبنوك أيضاً تتنافس فيما بينها فى حدود ضيقة لكى تجذب من معه دولار للبيع طرفها، وأيضاً تغرى الناس بشهادات وودائع ذات عائد عال جدًا لكى تحارب الدولرة وهذا سوف يرفع تكلفة الإقراض».

وأشار إلى أنه لا يصح أن يتوقع أى اقتصادى أن سحب السيولة النقدية من الأسواق بسبب العائد الكبير على الشهادات أو الودائع سوف يخفض معدلات التضخم، بل العكس صحيح لأن هذا الارتفاع فى الأسعار سببه ارتفاع تكلفة الإنتاج، وليس ارتفاعًا بسبب الطلب، وبناء عليه سوف ترفع الأسعار من جديد، ثم ننتهى إلى ركود تضخمى مزمن. 

وأشار «المحجوب»، إلى أننا نخلص من ذلك كله إلى أن التضخم مستمر لا محالة، ويتعدى الـ٣٥%، رغم الأوعية الإدخارية المغرية التى تحاول سحب السيولة النقدية من التداول، كما أن السوق الموازية مستمرة رغم الثبات النسبى وشلل حركة السوق مؤقتا، طالما لا يوجد بيع مباشر، وعليه سوف تصب هذه النتائج فى ارتفاع التضخم والتأثير على حياة المواطن العادى بالسالب وقد تستمر طويلًا، ما لم يتدخل صانع القرار الاقتصادى بإدخال العديد من التعديلات التعويضية للحفاظ على مستوى حياة كريمة للمواطن، حتى لا يظل يدفع الشعب فاتورة الإصلاح الاقتصادى إلى ما لا نهاية.