رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ضوء فى آخر النفق

- من أين يبدأ التغيير.. من السلطة أم من الشعب؟

الناس «متوولة»، والتعبير المحكم البليغ المحزن صاغه يوسف إدريس فى إحدى مقالاته، والتجاسر والتجرؤ على ادعاء امتلاك الحقيقة والاجابة عن هذا السؤال مخاتلة ومخادعة، فالإجابة ليست سهلة.. والواقع خطير بالفعل.

الرئيس فى إحدى المرات قال مخاطبًا الناس: «الحاجة اللى تغلى ماتشتروهاش». هل كان يعرف ويتوقع أن المشكلة فى قدرة الحكومة على ضبط الانفلات فى كل شيء من الأسعار إلى الأخلاق وخراب الذمم؟ عندما قال يوسف ادريس ان الناس متوولة كان ضيق الرزق وقلة المعاشات والدخل والغالبية المعروفة ب «محدودى الدخل» وهذه السيرة التى لم تنفض أبدًا، بأن الدولة تسعى لرفع المعاناة عنهم(!!)، لا تقارن بحال هذه الفئة التى تمثل الغالبية العظمى. وقتذاك استبد الارهاق والمعاناة بالناس بكل الأسى والحزن.. لكن ظل الوضع محتملا، مع وجود الدعم وعدم المساس بالسلع الرئيسية ومصاريف المدارس. كانت الناس «متوولة»- ولست بحاجة إلى وصف حالة التولة، التى هى تعبير مصرى صرف.. تعنى انهم «متدهولين.. متبلمين.. مكشرين.. مش طايقين نفسهم..مكسورين الخاطر.. مذعورين من بكرة واللى مخبيه». كانوا يتحملون لانهم لم يكونوا مهددين بأثمان خدمات السكن والطعام والمواصلات والمدارس والإيجار الخ. كانت الدنيا غائمة ولكن الحياة محتملة. اليوم لا شيء محتمل. والافق أكثر ضبابية وغيومًا. الناس «اتَوّلِت» اكثر وأكثر.. بما أصبح فوق الطاقة والقدرة.. الشباب لم يعد يفكر حتى فى الزواج.. من أين له بالعمل ومن أين له بالسكن ومن أين له بمصاريف البيت من طعام وشراب وملابس وحليب للرضع؟! من أين له بتلك المبالغ التى يجب أن يدفعها مقدم شقة للاسكان الاجتماعى؟ من أين له بمتوسط دخل يومى لا يقل عن خمسمائة جنيه فى اليوم ليفتح بيتًا؟ ف «بلاه البيت، وبلاه الزواج، وبلاها المسئولية». المستقبل مخيف والناس لا تجد من يرشدها ويأخذ بيدها.. التجريف الذى طال الشعب والشيخوخة التى نالت من الدولة على مدى عقود تعوق عودتها شابة عفية.. الخبراء والعلماء والأساتذة والقادرون على إشعال ضوء فى آخر النفق، رحلوا عن دنيانا وفقدت مواقعهم ألق خبراتهم وحكمة ورشاد منهجهم ونصائحهم. كانوا سندًا بأفكارهم ودعمهم. مات أغلب اساطين الصحافة وفقهاء القانون وعلماء النفس والاجتماع وخبراء التعليم والصحة. كثيرون ذهبوا.. تغير كل شيء، فلم يعد احد يصدق أن هناك أملًا.. ويسخرون بمرارة: أمل ماتت! انهم يخرجون من نفق إلى دحديرة. الأنامالية أو الفردية التى حذر منها خبراء الاجتماع السياسى عندما بدأت مصر الاتجاه غربًا تفاقمت.. ولاح الطوفان، واستعاد كثيرون الجملة الاعتباطية : «إذا جالك الطوفان حط ابنك تحت رجليك».

الشعب لديه المشكلة، وعليه أن يعيش بجسارة واقعة المرهق نفسيًا وانسانيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.. التغيير يجب ان يبدأ من الشعب، لا أحد يستطيع أن يتصرف محله.. لن تملأ معدته حكومة، ولن تعالجه مشافى، ولن تزوج بناته بنوك أو قروض تكافل اجتماعى. هذا الشعب عليه أن ينفض يده عن المطبلين والمزمرين، فيخلق كتابه وساسته وعلمائه ومستقبله وسياساته، ويعتمد على نفسه، ولو عاد ليأكل من الأرض، وينسى الاحلام الوردية التى أوهمته بها سياسات السادات فى السبعينات ونحصد ثمارها اليوم حصريًا فى الألفية الثالثة!