رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الصمت يعم أرجاء المسجد الزينبى سماعاً للصوت الوافد من قلب الصعيد

عبدالباسط عبدالصمد.. فى حضرة «الطاهرة»

فضيلة الشيخ عبدالباسط
فضيلة الشيخ عبدالباسط عبدالصمد

أطلق عليه لقب الشيخ «مارلون براندو» لاهتمامه بوسامته وأناقته طوال حياته

سوريا تكرم القارئ الكبير.. وصحبة كريمة فى صلاة الفجر مع ملك المغرب المتصوف

الرئيس الباكستانى يستقبله فى المطار.. وأنديرا غاندى تستمع لصوته فى احتفال كبير

 

لم يحلم محمد عبدالصمد سليم حماد، ذلك الرجل البسيط المولود فى أرمنت بقلب الصعيد يوم أن ولد ابنه «عبدالباسط» أن هذا الصبى سيكون له شأن كبير وسيصبح قارئًا لا مثيل له، بل وأحد أركان دولة التلاوة فى العالم الإسلامى، وأنه سيلتقى الملوك والرؤساء وينال التكريم من دول العالم المختلفة.

ولد الصبى الصغير «عبدالباسط» بقرية المراعزة التابعة لمركز أرمنت بمحافظة قنا بجنوب مصر على مقربة من مدينة الأقصر عام 1346هـ يناير 1927م، نشأ الصبى فى كنف جده الشيخ عبدالصمد سليم وكان تقيًا ورعًا من الماهرين بالقرآن، كما أن والده الشيخ محمد عبدالصمد كان أحد المجودين المجيدين للقرآن حفظًا وتجويدًا.

سنوات قليلة أتم خلالها حفظ القرآن الذى أصبح يتدفق على لسانه سلسبيلًا، وتلقى القرآن على يد الشيخ محمد سليم حمادة المنشاوى الذى جاء من سوهاج ليستقر فى أرمنت، وتلقى القراءات السبع وحفظ متن الشاطبية، وسرعان ما اشتهر القارئ الصغير فى أنحاء الصعيد حتى انهالت عليه الدعوات للقراءة فى محيط قنا وأسوان وسوهاج وأسيوط والمنيا حتى الجيزة، ثم حضر إلى القاهرة وعمره (19) عامًا وفى رحاب الطاهرة شهد احتفالًا بمولد السيدة زينب حيث امتلأ المسجد بآلاف الناس فقدمه إمام المسجد الشيخ «على سبيع» وكان يعرفه وطلب منه القراءة وكان ذلك (1950) وبدأ يتلو بفاتحة الكتاب وعاش روحانيات القرآن، حتى زاد على الساعة فى القراءة، ومنذ ذلك الحين سطع اسم الشيخ عبدالباسط عبدالصمد وأصبح يحصل على عشرين جنيهًا أجرًا لليلة.

تقدم الشيخ للإذاعة المصرية بعد عام من حضوره للقاهرة تحديدًا أواخر عام 1951م وتشكلت له لجنة من كبار العلماء ضمت الشيخ الضباع شيخ عموم المقارئ المصرية، والشيخ محمود شلتوت قبل أن يتولى مشيخة الأزهر والشيخ محمد البنا، وقد أجازته اللجنة فورًا واعتمدته قارئًا فى الإذاعة المصرية، وكانت أولى تلاواته من سورة فاطر فى تمام الساعة السادسة صباح أحد أيام الثلاثاء بعدها صار له وقت محدد مساء كل سبت وعين قارئًا لمسجد الإمام الشافعى عام 1952، ثم قارئًا لمسجد الإمام الحسين عام 1958 خلفًا للشيخ محمود على البنا.

انطلق الشيخ بعدها سفيرًا للقرآن إلى دول العالم المختلفة، فكانت أولى زياراته خارج مصر إلى السعودية لأداء فريضة الحج ومعه والده، واعتبر الأشقاء فى السعودية أن هذه الزيارة مهيأة من قبل الله، فطلبوا منه تسجيل القرآن للمملكة ليذاع عبر موجات الإذاعة هناك وأن يقرأ فى البلاط الملكى، ولم يتردد الشيخ وقام بتسجيل عدة تلاوات للمملكة العربية السعودية أشهرها التى سجلت بالحرم المكى والمسجد النبوى الشريف، لقب بعدها بـ«صوت مكة» جاب الشيخ العالم شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبًا وصولًا إلى المسلمين فى كل مكان، ومن أشهر المساجد التى قرأ فيها المسجد الحرام والمسجد النبوى والمسجد الأقصى بالقدس، والمسجد الإبراهيمى بالخليل والمسجد الأموى بدمشق.

وفى العراق قام بإحياء ليالى رمضان أيام الرئيس عبدالسلام عارف، واستقبله الرئيس الباكستانى ضياء الحق فى أرض المطار ضاربًا بكل البروتوكولات الرسمية عرض الحائط وصافحه على سلم الطائرة، وفى إندونيسيا قرأ القرآن بأكبر مساجد عاصمتها جاكرتا، وفى جنوب أفريقيا استقبله وفد إعلامى من رجال الصحافة والإذاعة والتليفزيون لإجراء لقاءات معه، وله قصة لا تنسى فى هذا البلد فكان وهو فى الطريق إليها مكث ليلة كاستراحة فى إحدى الدول بأحد الفنادق وعندما وصل المطار بحث الشيخ عن جواز سفره وأوراقه فلم يجدها، فقد نسيها بالفندق الذى لا يذكر اسمه ولا مكانه، وفوض أمره وبث حزنه لله، وفجأة وقبل قيام الطائرة بدقائق جاءت سيارة مسرعة، ونزل منها شخص، وأسرع وقدم له جواز سفره وكان ذلك فى مدينة «جوهانسبرج» ثم تابع الشيخ رحلته إلى مدينة «درين» وكان أول قارئ يصل إليهم، وفى المطار لم يستطع القيام من مكانه بسبب آلاف المستقبلين والموسيقى التى كانت تعزف طربًا لوصول قارئ القرآن، وهناك أمضى بينهم شهرًا يتلو القرآن.

وفى المركز الإسلامى بواشنطن التقى بالملك فيصل رحمه الله الذى بادره قائلًا: ماذا أتى بك إلى هنا، رد الشيخ قائلًا: القرآن الكريم وتلاوته أمام مسلمى أمريكا وقدم له الملك فيصل هدية قيمة لجلال القرآن وطلاوة صوته، ورحم الله الملك محمد الخامس، فقد كان معروفًا بالتقوى والورع.. وكان يتهجد قبل صلاة الفجر، وقلبه معلق بالمساجد وبتلاوة القرآن وبالشيخ عبدالباسط عبدالصمد، فقد كان فى زيارة للقاهرة، وغير ملابسه الوطنية إثر وصوله للقصر وارتدى بدلة عادية ومعطفًا وكوفية وقصد مسجد السيدة نفيسة بصحبة مستشاره الصحفى والشيخ عبدالباسط وزار ضريح السيدة نفيسة ثم جلس فى محراب المسجد يتلو آى الذكر الحكيم، وحينما بدأ يقرأ الشيخ عبدالباسط القرآن كان يستمع فى خشوع، وقد دعا الشيخ عبدالباسط لزيارة المغرب لترتيل القرآن طوال شهر رمضان فى قصر الملك محمد الخامس بالمغرب، وقد ربطته صداقة كبيرة مع الملك. أيضاً قرأ الشيخ عبدالباسط القرآن فى 14 ولاية أمريكية، وحينما زار الهند لإحياء احتفال دينى كبير أقامه أحد الأغنياء المسلمين حضرته رئيسة الوزراء «أنديرا غاندى» رغم أنها هندوسية، فوجئ جميع الحاضرين يخلعون الأحذية ويقفون على الأرض وقد حنوا رؤوسهم لأسفل ينظرون محل السجود وأعينهم تفيض من الدمع يبكون إلى أن انتهى من التلاوة وعيناه تذرفان الدمع تأثرًا بهذا الموقف الخاشع.

وزار الشيخ دول أوروبا والصومال والسنغال ونيجيريا وماليزيا، وزار بعضها مرافقًا للإمام الأكبر د. عبدالحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق ود. عبدالرحمن بيصار شيخ الأزهر الأسبق والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر وزار معه دولة المالديف.

تزوج الشيخ فى التاسعة عشرة من ابنة عمه التى أنجبت له أحد عشر كوكبًا كما كان يحب أن يطلق عليهم أربعا من الإناث وسبعة من الذكور جميعهم يحفظون القرآن الكريم، ولم يعمل فى مجال التلاوة سوى «طارق» لواء شرطة فى التنظيم والإدارة بوزارة الداخلية، والشيخ «ياسر» خريج كلية الآداب قسم الدراسات الشرقية.

حصل الشيخ عبدالباسط على عشرات الأوسمة المحلية والدولية منها وسام الاستحقاق من سوريا 1956م ووسام الأرز من الجمهورية اللبنانية، والوسام الذهبى من رئيس حكومة ماليزيا فى احتفال شهده ربع مليون ماليزى عام 1965 م، ووسام الاستحقاق من إندونيسيا، ومن السنغال، ووسام الكفاءات الفكرية من المغرب، ووسام العلماء من الرئيس الباكستانى عام 1984م، وآخر الأوسمة التى حصل عليها قبل رحيله وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى تسلمه من الرئيس مبارك فى عيد العلم عام 1987م ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى فى ليلة القدر عام 1990م، والوسام الفلسطينى من الرئيس ياسر عرفات تسلمه نجله اللواء طارق عام 2001م وعدد من النياشين من تونس ولبنان والعراق.

ولما آن الأجل زاد تأثره بمرض السكر رغم مقاومته لكنه تزامن مع الكسل الكبدى ثم تطور إلى التهاب فلم يستطع أن يقاوم وسافر إلى لندن للعلاج ومكث بها أسبوعا، وحينما شعر بدنو أجله طلب من ابنه طارق الذى رافقه فى رحلته الأخيرة أن يعود به إلى مصر، حيث فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها يوم الأربعاء 21 ربيع الآخر 1409هـ 30 نوفمبر 1988م عن عمر يناهز الواحد والستين عامًا قضاها فى خدمة كتاب الله سفيرًا للقرآن الكريم ترتيلا وتجويدًا، وبعد أن ملأ صوته العذب الأرض، وصارت له مدرسة فريدة فى عالم التلاوة، وترك لمصر والأمة الإسلامية ثروة من التسجيلات الصوتية إلى جانب المصحفين المرتل والمجود، ومصاحف مرتلة لبلدان عربية وإسلامية. وأقيمت صلاة الجنازة عقب صلاة الظهر بمسجد مصطفى محمود بالمهندسين بحضور كبار رجال الدولة على رأسهم شيخ الأزهر جاد الحق على جاد الحق، والسيد فكرى مكرم عبيد مندوبًا عن رئيس الجمهورية ود. محمد على محجوب وزير الأوقاف، وجمع غفير من القراء والعلماء وأعضاء السلك الدبلوماسى وسفراء الدول العربية والإسلامية وورى جثمانه الطاهر مقبرة أنشأها بجوار مسجد الإمام الشافعى بالقاهرة.