رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أوراق مسافرة

لست متفائلة أكثر من اللازم، كما لست سوداوية متشائمة مثل غيرى وأنا أقول إن بلدنا قادر على تحقيق نهضة صناعية حقيقية ونمو اقتصادى مستدام ينعكس بالخير على الشعب الذى بات أغلبه مطحوناً بين سعار الغلاء والتضخم ومحدودية الدخل، وسبق أن عرضت لكم المعارض الصناعية والإنتاجية والتراثية المحلية أو العالمية التى تشارك فيها مصر، بما يؤكد جودة المنتجات المصرية، وقدرتها التنافسية العالمية، إذا توافرت الإرادة الحقيقية، وتوافر رجالات مال وأعمال وطنيون بحق.
وتحضرنى فى هذا الإطار قراءة لكتاب اسمه «محمد على من التبعية للاستقلال والتنمية» للكاتب والخبير الاقتصادى مجدى حسين، ويدور الكتاب حول تجربة الضابط الألبانى محمد على فى مصر، وما حققه من نهضة صناعية، وتصادف أن حضرت مناقشة للكتاب فى ندوة دعا لها الكاتب الجليل الأستاذ على القماش بنقابة الصحفيين، فى الواقع أعجبتنى الدراسة المحنكة والعرض لتجربة محمد على من أجل إحداث تنمية صناعية فى الفترة التى حكم فيها مصر من مايو 1805 حتى سبتمبر 1848، حتى اعتبره كثيرون أنه مؤسس مصر الحديثة وتغاضوا عن ظلمه وجرائمه وكل إخفاقاته، ولكننى تحفظت خلال ندوة عرض الكتاب على أن محمد على رغم كل ما قام به، إلا أن تلك النهضة الصناعية لم تنعكس بالخير والرفاهية أبداً على أبناء الشعب المصرى البسطاء والفقراء.
بل كان يتخذ أبناء الشعب سخرياً أو مقابل أقل القليل للعمل فى المصانع واهتم بالحجر على حساب تنمية البشر، رغم تلك البعثات التى أرسلها من رجال الأزهر ليظهر أمام العالم اهتمامه بالدين الإسلامى، كما أنه طبق مبدأ الاحتكار فى كل مناحى الحياة الاقتصادية، سواء فى الزراعة، التجارة، الصناعة، حتى أصبح هو المالك الوحيد لأراضى مصر، والتاجر الوحيد لحاصلات تلك الأراضى، وأصبح الصانع الوحيد لصنائعها، وكان يعتقد أن الاحتكار يمكنه أن يزيد من إيرادات الحكومة أو خزانة الدولة وأنه بهذا الاحتكار قد فتح باباً جديداً للربح.
لكن للأسف كل جهوده الصناعية والزراعية لم تكن لها ربحية اقتصادية حقيقية تعود لا على الدولة ولا تنعكس بالتالى على الشعب بالخير والرفاهية، الأمر الذى أضر فى الواقع رغم كل مظاهر النهضة الصناعية بالحالة الاقتصادية فى مصر ضرراً كبيراً، ولم يجنِ الشعب أى حصاد مثمر من تلك النهضة فى البناء والمصانع، بل كان الشعب يرزح تحت الفقر والسخرة، وكان كل ما يهم محمد على أن يقترن اسمه بتلك المشروعات الصناعية الضخمة حتى لو كانت بلا ربحية وحكر على الدولة دون أى استثمار يذكر.
ومن هنا لم توجد أى جدوى اقتصادية من وراء الكثير من مصانعه، لأنها كانت تستنفد رأس المال المتوافر لخزانة الدولة دون أى ربحية أواستثمار فى رأس المال هذا، بل كانت تصرف العمال فى نفس الوقت عن النشاط الزراعى ذى الجدوى الربحية الأعلى، واصبح اعتياد العمال على الشغل فى الصناعة مع غياب الحافز الربحى نوعاً من السخرية والعبودية لهم، وأصبح الإنتاج عبئاً وليس به أى دافع اقتصادى نفعى للشعب، من هنا أصيب مشروعه الصناعى بالعوار، بجانب عدم إدراكه لضرورة تحديث المجتمع المصرى وتحويله إلى مجتمع له ثقافة إنتاجية حديثة.
ولم ينجح محمد على فى توطين صناعات حقيقية فى مصر، وأعنى بالتوطين أن تلعب الصناعة المصرية الخالصة دوراً فعالاً فى تحقيق التنمية بتوافر المنتج الوطنى، ودفعه لعجلة الاقتصاد بما يسد باب الاستيراد، ويزيد الصادرات وفرص العمل، ويستقطب المستثمر الأجنبى بما يحقق ارتفاعاً للناتج القومى الإجمالى للدولة، ولعل شيئاً وحيداً نجح فيه محمد على هو عدم جر مصر إلى الديون الخارجية، وهو ما هدمه تماماً بعده الخديو إسماعيل، وللحديث بقية

[email protected]