رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حكاية وطن

وأنا أتجول بين عمائر مدينة رشيد الأثرية التى شيدت فى العصر العثمانى، وهى من المدن القليلة التى لاقت شهرة عالمية بين المدن المصرية، فمن مدينة بولبتين ورخيت ورشيت إلى رشيد، تغيرت المواقع والأماكن ولم تتغير أهميتها، ومن صناعة العجلات الحربية فى العصر المصرى القديم وصد الغارات عن الجبهة الغربية لمصر إلى تصديها لغزوات كثيرة لتعبر تاريخ مصر.
انبهارى بالآثار لم يجعلنى أنسى قصة تصدى أهل رشيد لحملة «فريزر»، وطافت أمامى بطولة مر عليها أكثر من قرنين من الزمان، طبق خلالها أهل رشيد ما نردده بأن الحرب خدعة!
فبعد أن تولى محمد على باشا حكم مصر بموجب فرمان الخليفة العثمانى أخذ يتخلص من كل العقبات التى تهدد وجوده فى مصر، ولكن فى يوليو 1806، تعرض محمد على لتهديد كاد يزيله من الحكم، فقد ظهرت بعض المساعى لتولية محمد بك الألفى، وحاولت بريطانيا إقناع الخليفة العثمانى بعزل محمد على، وتولية محمد بك الألفى بدلا منه، وقد استجاب الخليفة العثمانى لهذا الأمر، وأصدر فرمانا يقضى بتولية محمد بك الألفى حكم مصر، وتولية محمد على ولاية سالونيك فى مقدونيا الوسطى، ولكن وقفت الزعامة الشعبية بجانب محمد على، ما دفع الخليفة العثمانى إلى التخلى عن نقل محمد على، وبعد ذلك أرسلت بريطانيا حملة عسكرية بقيادة «فريزر» فى مارس 1807، لخلع محمد على وتولية محمد الألفى، وعندما دخلت الحملة إلى الإسكندرية سلمها لهم محافظها أمين أغا، وبعدها بدأت الحملة الاتجاه إلى رشيد فلما علم بذلك محافظ رشيد جمع الأهالى والعلماء والأعيان وباقى طوائف الشعب، وألقى عليهم خطبة حماسية قال فيها: «يا أهل رشيد.. هذا يومكم وتلك دياركم، فدافعوا عنها بكل ما استطعتم من قوة، واعلموا أن مصير مصر كلها فى أيديكم. أنتم أمام أمرين: إما أن تصمدوا لعدوكم، وتستشهدوا فى سبيل وطنكم دفاعا عن دياركم وأبنائكم وأموالكم، وإما أن تكتبوا لأنفسكم الذل والعار والهوان، وهذا لا أرضاه لكم»، وقد أثرت كلمته هذه فى الجميع فتحمسوا لمواجهة البريطانيين، وبدأوا يستعدون، حتى لا يحتل البريطانيون مدينتهم، وفى يوم التقاء البريطانيين مع أهل رشيد كانت القوات البريطانية على بعد أربعة كيلومترات، فنودى فى أهل رشيد أن يختبئوا فى منازلهم ومتاجرهم، فأصبحت المدينة خالية تماما من السكان، وكان الجنود المصريون مختبئون أيضا مع السكان المختبئين فى شارع دهليز الملك «الشارع الرئيسى للمدينة»، وعندما دخل البريطانيون فى الظهيرة لم يجدوا أحدا فى المدينة، وبعد أن اطمأنوا من خلو المدنية من المقاومة خلعوا أسلحتهم ومعداتهم الحربية، وأخذوا يلهون ويتسامرون وبدأوا ينتشرون أيضا فى المدينة وعلى حين غرة هجم الأهالى على الجنود البريطانيين، وانهالوا عليهم بالرصاص وفتك أهل رشيد بهم، وفرت البقية الباقية من الجنود البريطانيين إلى الإسكندرية، وبعد فشل هذه الحملة عقد «فريزر» صلحا مع محمد على باشا، وكان فيه جلاء الحملة عن مصر مقابل الإفراج عن الأسرى البريطانيين، وبعد ذلك دخل محمد على الإسكندرية منتصرا بعد جلاء الإنجليز، وقد أدت هذه الحملة إلى ازدياد مكانة محمد على عند المصريين.
بعد ذلك بدأ محمد على التخطيط للانفراد بالحكم دون وجود رقيب أو وصى عليه، فأراد التخلص من الزعامة الشعبية بالرغم من دورهم الكبير فى توليه الحكم والوقوف بجانبه أثناء محاولة نقله إلى سالونيك، ولكنه لم ينظر إلى ذلك، فقام بخلع عمر مكرم من نقابة الأشراف وبعد ذلك نفاه إلى دمياط عام 1809، وبعد ذلك نفاه خارج البلاد، ثم اتجه محمد على إلى التخلص من المماليك، وبدأ بحرمانهم من تولى المناصب الرفيعة وبعد ذلك دبر لهم مذبحة القلعة التى صفت وجود المماليك نهائيا فى مصر.