رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لوجه الله

يظن أغلب البشر أنه يدير دفة حياته بصورة سليمة.. إلى أن يفرض عليه الاختيار أو اتخاذ قرار بعينه.. فالقرار أو الاختيار.. هو أصعب ما يواجه البشر فى حياتهم.. وتتحدد درجة الصعوبة وفق أهمية القرار أو الاختيار المطروح أمام الإنسان.. فمصير الإنسان وحياته ما هى إلا محصلة قراراته واختياراته.. وعليه دفع ثمنها أو جنى ثمارها.. وما يفرق بين قرار وآخر هو كيفية اتخاذه.. فهناك قرار صحيح وإن كان مؤلماً وآخر خطأ وإن كان حلواً.
والاختيار هو ما يميز حياة إنسان عن آخر.. بل هو ما يميز شعوباً عن غيرها.. ويرسم ملامح حياتها وحاضرها ومستقبلها.. ويحدد صورتها الذهنية أمام الآخرين.
والقرار أو الاختيار السليم.. هو عملية عقلية محضة.. يديرها العقل بكل ما أوتى من خبرات وعلوم وتجارب.. وآفة القرار.. أن يتدخل القلب فى عمل العقل، ليشاركه الاختيار.. فيشوش المقاييس العقلية والحسابات الرياضية والمنطقية بخيالات هلامية بلا ملامح أو مقاييس.. أو يفرض عليه اختياره بعد تعطيل عمله كلياً.. ليخرج لنا فى النهاية بنتائج وخيارات غير منطقية.. وأوضاع لا مبرر لها مطلقاً غير الطريقة التى تم بها الاختيار!
وآفة الشعوب العربية.. أنها شعوب عاطفية بطبعها.. وصف يبدو مريحاً فى ظاهره.. وإن كان يحمل فى طياته الجحيم بعينه.. لأن من ينحى العقل جانباً.. لا يجنى إلا الجنون والخبل.. خبل الاختيار.. خبل القرار.. خبل النتائج.. ويأتى فى النهاية ليلوم أى شىء وكل شىء.. إلا اختياراته وقراراته وغياب العقل عنها.. ولأننا أصحاب «لغة الضاد». . ونكاية فى العقل والمنطق اللعين.. برعنا فى تجميل كل قبيح عبر لغتنا الجميلة.. فاشتققنا مسميات أكثر بريقاً وتخديراً من تلك التى تصف الواقع.. فالفشل سوء حظ.. والاستبعاد المبكر من المنافسات الرياضية تمثيل مشرف.. والهزيمة نكسة.. والعجز «ظروف غير مواتية». . وقصر النظر وضيق الأفق «ظروف خارجية».. فنحن لانخطئ.. ولا يمكن أن يكون مصيرنا حصاد ما زرعته أيدينا.. بل هو دوماً تحالف قوى الطبيعة ضدنا.. ومؤامرات كونية نسجتها كائنات خفية لتشوه نبوغنا وتسىء لعبقريتنا. 
فعندنا لا عاشق ترفضه الحبيبة، لكن النساء خائنات.. ولا طالب يرسب لأنه مقصر، لكن المراقب سامحه الله.. وعندنا أيضاً لا يفصل فاشل من عمله، فهو مطيع، وأهون من أولئك الملاعين المغترين بتفوقهم.. أما الموظف الفاسد فينعم بيننا بفضيلة، قطع العيش حرام.. وما نعرفه أحسن من «اللى ما نعرفوش».. وليس فى الإمكان دوماً أبدع مما كان.. عشرات وعشرات المأثورات والأمثال الشعبية بررت ورسخت لكائنات عبثية الوجود واللا منطق فى حياتنا.
وعلى الجانب الآخر من ضفة الحياة.. بشر وضعوا القلب موضعه وقدموا العقل فى كل أمورهم.. رفضوا أن تسرق حياتهم بالعاطفة.. أو تخدر عقولهم بأوهام ولا منطق.. فأخذ كل شىء نصابه.. ووجد العالم مكانه ومنح الجاهل فرصة «على مقاسه» للحياة.. خشيهم الجميع وخاطبهم بلغة العقل والمنطق.. فانتظمت حياتهم.. تقدموا وانحدرنا.. تسيدوا واتبعنا.. رغم أننا لسنا أقل ذكاء منهم، لكنه القلب..«تبرير عربى أخير»!.
الواقع أن عودة العقل لمقدمة حياتنا فى كل أمورنا.. أصبح ضرورة قصوى، إن كان لنا حق فى هذه الحياة.. فالعاطفة نقطة ضعف مدمرة.. إن أعملت فى غير موضعها.
ولولا قوة العاطفة وتأثيرها على السلوك الإنسانى.. لما نبهنا الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام لذلك بالقول «إن الولد مبخلة مجبنة محزنة».. فالعاطفة وحدها قادرة على جعل الكريم بخيلاً.. والشجاع جباناً.. والراضى بحياته حزيناً مع تقلب أحوال ولده. 
إنه العقل.. أغلى ما يملك الإنسان.. وأعز ما كرمنا به الله.. إن قدمناه تقدمنا.. وإن ضيعناه حق علينا ما نحن فيه.