رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

لا يجوز النظر لمشروع رأس الحكمة الاستثمارى باعتباره مجرد وسيلة لجذب عملة صعبة فقط، وإنما يجب النظر لسمات عديدة يتميز بها، ومنها سمة مُهمة ظلت غائبة عن كثير من المشروعات وهى الاستدامة، وأبعاد التنمية المتكاملة، وتنوع مجال الاستثمار، وأسلوب مشاركة الحكومة فى العائد، والتعاون مع المستثمرين المحليين.
صحيح أن مصر تعانى من شُح كبير فى موارد النقد الأجنبى تأثرا بعوامل خارجية ضربت عائدات السياحة، وقناة السويس بشكل كبير خلال الشهور الأخيرة نتيجة الحرب فى غزة والاضطرابات فى البحر الأحمر، وعوامل داخلية وهى الأهم فى نظرى منها ارتفاع معدل الاقتراض الحكومى، وسوء توزيع خريطة الاستثمارات العامة بالمقارنة للاستثمارات الخاصة، وانخفاض معدل الحرية الاقتصادية، والتباطؤ فى تنفيذ قاعدة توسيع الملكية الخاصة، وغيرها من الأسباب مصحوبة بخروج استثمارات قصيرة الأجل فى ظل أوضاع عالمية مرتبكة.
وصحيح أن أحد مكاسب المشروع هو تدفق نحو 24 مليار دولار سيولة نقد أجنبى لمصر، فضلا عن احتفاظ البنك المركزى بأحد عشر مليار دولار قيمة الوديعة الدولارية الإماراتية بالبنك المركزى، مقابل سداد قيمتها بالجنيه المصرى.
لكن العائد الحقيقى لمصر من هذا المشروع هو توليد فرص عمل مستقبلية، وجذب سياح من كافة أنحاء العالم مستقبلا، والأهم من كل هو ذلك كتابة قصة نجاح حقيقية يُمكن أن تمثل نموذجا يُحتذى لكبرى الشركات والمؤسسات وأصحاب رؤوس الأموال الباحثين عن فرص استثمار حقيقية.
إن مُجرد الإعلان عن هذا المشروع غير المسبوق يعيد جزءا من الثقة المفقودة، ومجرد ضخ هذه الأموال يمثل نظرة إيجابية نحو المستقبل.
كذلك، فإن علينا النظر لما يعود به مثل هذا المشروع على المصريين من تأهيل لكوادر جديدة للعمل فى مجالات مستحدثة من السياحة والخدمات، وبأنظمة أكثر فاعلية، وبسياسات متطورة، وهو ما يُحفز الكيانات الكبرى الأخرى لتطوير قدراتها وإمكانياتها.
وليس من العدل التهوين من الصفقة تحت زعم أنها بيع لأراضى مصرية للمستثمرين الأجانب، فلن يحمل المستثمر الموانئ والمصانع والمنتجعات والأراضى الزراعية ويرحل بعيدًا. ولنا فى إندونيسيا والبرازيل وماليزيا وسنغافورة والصين أسوة حسنة. والاستثمار الأجنبى هو ضرورة من ضرورات التنمية المستدامة، ومَن يعود إلى تجارب الدول المتقدمة يكتشف أن ذلك التقدم لم يولد دون انفتاح وتكامل مع رؤوس الأموال العالمية. والاستثمار الأجنبى هو السبيل الأمثل لتطوير وتحسين بنية الاستثمار فى مصر، لأن الشركات العالمية تختبر بمشروعاتها مدى ملاءمة مناخ الاستثمار لاستيعاب مشروعات جديدة، وتقدم مقترحاتها لتحسين ذلك المناخ، ومَن ثم سيتم تحسين وتيسير إجراءات عديدة تخص الاستثمار بشكل عام حتى للمستثمرين المحليين.
وستكون الفرصة طيبة لاستكمال إصلاحات مناخ الاستثمار فى مصر، فهذا المناخ لايزال تصاحبه عواصف بيروقراطية ويملؤه سحب عدم استقرار السياسات المالية والنقدية وإزالة العقبات والعوائق التقليدية أمام كثير من المستثمرين فى مختلف المجالات، والتى سبق وأشرنا إلى بعضها فى مقالات عديدة صارت ضرورة.
وأتصور أيضاً أن تلك بداية جادة وحقيقية لاستعادة دور القطاع الخاص سواء المحلى أو الأجنبى فى إدارة وقيادة التنمية، وباسترداد مسئوليته السابقة عن توليد فرص العمل، وهو ما تعرض خلال السنوات الأخيرة لتراجع كبير.
وثمة إشارة مُهمة كشفها هنا المشروع، هى أن الاستثمار الأجنبى يتأثر كثيرًا بالاعتبارات السياسية فبدون دعم سياسى من حكومة الإمارات لهذا المشروع لما كنا رأيناه. ولذا لزم التنوع فى المحفظة الجغرافية للاستثمار الأجنبى، ودعم الاستثمار المحلى. بكل ما أوتينا من قوة للمحافظة على التوازن. ولا شك أن توجيه الاستثمارات الضخمة لمشروعات الطرق والكبارى والبنية التحتية، ومنحها الأولوية لم يكن خطأ فى حد ذاته بل هو ضرورة لتعزيز مزايا المشروع بالنسبة للاستثمارات الخاصة الكبرى فتوفر البنية الأساسية وجودتها من أهم مقومات جذب الاستثمارات الخاصة المباشرة.
وكما كتبت قبل أسبوعين فقط مؤكدا على ثقتى التامة فى القدرة على التعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، فإننى أؤكد أن مصر قادرة على الخروج من الأزمة، وجنى ثمار التنمية الجارية. إننا نحتاج فقط من الحكومة أن تستمع بشكل أكثر جدية لآراء المختصين. فمصر قادرة على جذب استثمارات بما لايقل عن أربعين مليار دولار سنويًا، ونحن نحتاج فقط لتصحيح المسار الاقتصادى فورًا ودون تأجيل.
وسلامٌ على الأمة المصرية.