رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أكره الحديث فى المسائل الاقتصادية بشكل عام، والكبرى منها بشكل خاص، كراهة ارتياد المواصلات العامة وقت الذروة، أو الوجود فى الأماكن المزدحمة والطوابير التى يدلى فيها الجميع بآراء منفردة يغلبها الهوى، لأن الحديث عن «صفقة» كبرى والخوض فى نتائجها بشقيها السلبى والإيجابى وعملية التوازن بينهما يتطلب قدراً كافياً من المعلومات، والاطلاع على بنود التعاقد كاملة لدراستها مع تحييد الانفعالات العاطفية والخلفيات المسبقة أثناء الدراسة، ما سبق ينطبق على مشروع «رأس الحكمة» الذى تم الإعلان عنه مؤخراً، ونستعرض هنا ثلاث محطات زمنية متعلقة بتلك المنطقة لحين نشر بنود التعاقد بشكل تفصيلى إذا كان متاحاً.

تحت عنوان: «رأس الحكمة مخافة الله» يقول الصاغ أركان حرب «محمود محمد الجوهرى» فى كتابه «قصور وتحف من محمد على إلى فاروق» طبعة دار المعارف فبراير 1954، أن الملك السابق «فاروق» لاحظ فى رحلة ملكية إلى الصحراء الغربية عام 1938، موقع منطقة رأس الكنائس الصحى وهواءها الجميل لارتفاعها 80 متراً عن سطح البحر، ونظراً لمركزها التاريخى المهم فى حرب طرابلس الغرب، وفى أيام الإمبراطورية العثمانية القديمة عندما كانت مركزاً لتسليم فرمانات ولاية مصر بها لقربها من السواحل الأوروبية، أمر الملك بشراء 4980 فداناً بها، وغيَّر اسمها إلى «رأس الحكمة».

يقول «الصاغ» إن الملك صار يستصلح أراضيها، وأقام بها خزاناً لتخزين مياه الأمطار يسع 5000 متر مكعب تقريباً، وأمر بتنظيف الآبار والسواقى الرومانية القديمة، ثم فكر بعد ذلك فى إنشاء استراحة ملكية هناك، وأنشأ محطة سكة حديد «رأس الحكمة» بتكلفة 5000 جنيه مصرى، وزودت هذه الاستراحة بعربات جيب و«عربات برمائية»، وهذه المنطقة تعتبر أروع مناطق البحر الأبيض من حيث صفاء الماء وبياض الرمال، إنها حقاً منطقة خيالية!

ومن حديث الصاغ «محمود الجوهرى» ننتقل إلى المحطة الثانية وهى المعركة التى خاضتها الدكتورة «نعمات أحمد فؤاد» فى أواخر السبعينيات ضد مشروع شركة «جنوب الباسفيك للشرق الأوسط» المسجلة فى هونج كونج، وكان المشروع المعلن هو تنمية السياحة على أحدث الأساليب العلمية المتطورة فى «هضبة الأهرام» و«رأس الحكمة».

تقول الدكتورة «نعمات» إن هذه الشركة تمكنت من الحصول كما هو مثبت فى العقد على 20 ألف فدان فى شاطئ «رأس الحكمة»، وعشرة آلاف فدان فى هضبة الأهرام لمدة 99 عاماً بغير موافقة مجلس الشعب، وبلا لجنة خبراء لتقدير الأرض وفقاً للأسعار العالمية، وبلا فروق فى سعر الأرض بين ما تسلمه سنة 1975 «المرحلة الأولى» وما تسلمه من الأرض فى 1980 «المرحلة الثانية»، وبلا شروط تشغيل أو خطة زمنية أو جزاءات، هذا كله مقابل نصف مليون دولار!!.. وأقساط سنوية يصل معها رأس المال بعد خمس سنوات إلى 2 مليون دولار!!، وأن الشركة بدأت بتقسيم الأرض وبيعها قبل أن تنجز التزاماً سياحياً واحداً خلال سنة وثمانية أشهر، وقد نجحت الدكتورة «نعمات» فى تلك المعركة وتم إلغاء المشروع.

وإذا كانت «رأس الحكمة» قد ذُكرت بشكل عابر فى المحطة السابقة، فإنها احتلت هذه المحطة بشكل كامل، وشغلت بال الجميع بعد إعلان السيد رئيس الوزراء ووصفها بأنها أكبر «صفقة» مشروع استثمارى فى تاريخ مصر، وكانت التفاصيل المعلنة أقرب إلى الخطوط العريضة، وأهمها 35 مليار دولار تدخل خزينة الدولة.. التأكيد أن المشروع شراكة وليس بيع أصول.. 35% حصة مصر من الأرباح طوال مدة المشروع، ثم تنافس الجميع بنشر إيجابيات تلك «الصفقة» من تخفيف أزمة النقد الأجنبى والقضاء على «السوق الموازية» للدولار، وتعزيز الاقتصاد، ومحاولة «كبح جماح» التضخم.. وغيرها.

كل تلك الإيجابيات وتعظيم شأنها أمر مهم وضرورى، ولكن الأهم من ذلك، طرح مجموعة من الأسئلة الواجبة لتكتمل الصورة، مثل: ما مدة المشروع.. وهل هو حق انتفاع محدد المدة أم مدى الحياة؟ هل «الصفقة» عملية بيع وشراء أم تطوير، خاصة أن المشروع يتضمن إنشاء فنادق ومشروعات ترفيهية، ومنطقة مال وأعمال، ومطار دولى...إلخ؟ وهل حصة مصر من الأرباح هى الأفضل على المدى الطويل، وتتناسب مع مساحة 170.8 مليون متر مربع هى مساحة المشروع؟

فى النهاية.. المدينة الجديدة لن تكون موطناً لعامة الناس، ولن تكون فنادقها وبواخرها الفاخرة محل إقامة المواطن العادى أو فوق العادى أو فوق فوق العادى، ونريد منه الإيمان بأن تلك الصفقة تصب فى مصلحته أولاً، وأن يطمئن بأن هذا المشروع سيعمل على تحسين أحواله المعيشية هو والأجيال القادمة، لذلك نسأل: أين تفاصيل بنود الشراكة كاملة لهذا المشروع الاستثمارى الأكبر فى تاريخ مصر؟

[email protected]