رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

على فكرة

بينما كانت حكومة الحرب الإسرائيلية تعلن إجماعها على رفض قيام الدولة الفلسطينية، وتقود الكنيست إلى التصويت على قرارها، ويعلن محللوها ومسئولوها أن كل الدول العربية تؤيد مساعيها لاقتلاع حماس من غزة، كان العالم يرى ويسمع تكذيبا جديدا لتدليسها من ممثلى الدول العربية الموسومة بالاعتدال، والمدعوة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين إلى الإسراع بخطوات التطبيع وإدماج إسرائيل فى المنطقة، والحفاظ على أمنها بالاعتراف بها، فى مقابل الإعلان عن القبول باقتراح غامض عن دولة فلسطينية، لا يأتى أى ذكر فى الحديث عنها، على ارتكازها على قرارى مجلس الأمن الدوليين 242 و338 اللذين يرفضان الاستيلاء على أراضى الغير بالقوة ويلزمان إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها بعد حرب يونيو 1967، وعلى تطبيق مبدأ لا تزال إسرائيل ترفضه، الأرض مقابل السلام، الذى قبلت به كل الدول العربية فى مبادرة باسمها منذ 22 عاما ورفضته إسرائيل، لتطرح بدلا منه التطبيع الكامل مقابل السلام. وكان أوضح تعريف لتلك السياسة المراوغة ما قاله الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتسوج مؤخرا فى المنتدى الاقتصادى العالمى فى دافوس الشهر الماضى، أن التطبيع مع السعودية هو مفتاح لخروج المنطقة من الحرب نحو أفق جديد. التطبيع، وليس وقف حرب الإبادة الجماعية التى تشنها بلاده ضد الشعب الفلسطينى!
ربما يبدو المشهد غريبا على دول غربية لم تحاول قط أن تتخلص من إرثها الاستعمارى المترع بالاستعلاء العنصرى، فى نظرته إلى ماضٍ وحاضر ومستقبل العرب مسلمين وغير مسلمين بشكل خاص، وإلى الأجناس غير الغربية على وجه العموم. إذ توقف كثير من المعلقين الغربيين أمام ما وصفه بعضهم غرابة المشهد. امرأتان عربيتان شابتان وجميلتان تتحليان بالكفاءة والقدرة على الإقناع، تتحاجان أم المحكمة الدولية بحق الشعب الفلسطينى بإقامة دولته وتقرير مصيره، وتنسفان السردية الإسرائيلية المضللة، وتكشفان بالوقائع والتاريخ جرائم الاحتلال الذى يصفه المحلل الإسرائيلى فى صحيفة هارتس «جدعون ليفى» بأنه احتلال غير قانونى. شدت السفيرتان المصرية والإماراتية الأنظار وأشعلتا حماس كثيرين من رواد وسائل التواصل الاجتماعى الذين تنافسوا فى التشبيب، بهما ونشر مقاطع مما تقولانه، فضلا عن استحواذهما على اهتمام مئات الآلاف غيرهم ممن تابعوا بشغف وإعجاب وقلق خطابيهما عبر الفضائيات العربية والعالمية، وهما تتحدثان بطلاقة وقوة ورصانة علمية وثقة معرفية، أمام المحكمة التى أناط بها العالم ممثلا فى هيئة الأمم المتحدة، إقرار العدالة الدولية، فقدمتا مزيدا من الحيثيات، التى تعزز ما سبق أن قدمته دولة جنوب أفريقيا لإدانة إسرائيل بارتكاب جرائم تطهير عرقى وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطينى، واتفقتا على ضرورة وقف الحرب، والشروع فى حل جذرى للقضية الفلسطينية، إذا ما كانت النوايا تتجه إلى تهدئة فى المنطقة.
وكانت محكمة العدل الدولية قد بدأت قبل أيام النظر فى طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة فى ديسمبر الماضى الذى يقضى بتقديم رأى استشارى حول الآثار القانونية المترتبة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. وبرغم أن الرأى الاستشارى حال صدوره لا صفة إلزامية له من الناحية القانونية، كما هو من حيث الشكل لا علاقة له كذلك بدعوى جنوب أفريقيا، أمام المحكمة التى تتهم إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطينى، ويعد قرارها ملزما فى حال صدور حكمها، إلا أن كلا المسارين، يمنح دعما إضافيا للاحتجاجات الشعبية ومواقف الرأى العام الأمريكى والغربى المناهضة لإسرائيل والرافضة لموقف دولها الداعم بغير شروط لإسرائيل والداعية للوقف الفورى لحربها على الفلسطينيين. هذا فضلا عن نجاح تلك الضغوط الجماهيرية فى تعديل بعض مواقف دولها، بما فرض على موائد الحوار الدولى قضية إقامة الدولة الفلسطينية التى كانت قد اختفت من ساحات نقاشاته. كما يمكن لهذا الرأى الاستشارى غير الملزم، أن يشكل حافزا لجر نتنياهو وفريق حربه للمساءلة أمام محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسان، وللإعداد لصياغة رأيها الاستشارى، بادرت المحكمة الدولية بعقد جلسات استماع لنحو أكثر من خمسين دولة، بينها عدد من الدول العربية بينها مصر والسعودية والأردن ودولة الإمارات والجزائر، فضلا عن إحاطات من الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامى والاتحاد الأفريقى. وبينما كررت المملكة على لسان ولى عهدها الأمير محمد بن سلمان ربط إقامة علاقات مع إسرائيل بوقف الحرب وإدخال المساعدات الإنسانية وبدء حوار لحل شامل للقضية الفلسطينية، كانت الصدفة وحدها، من جانب آخر، قد جمعت فى يوم واحد مرافعة السفيرتين المصرية والإماراتية أمام جلسات الاستماع الأربعاء الماضى. وببراعة واقتدار لافت للأنظار قدمت الدكتورة ياسمين موسى الأكاديمية والمستشارة القانونية لمكتب وزير الخارجية سامح شكرى، باسم الفريق المصرى المصاحب لها موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية، بالتأكيد على عدم شرعية الاحتلال، وعدم شرعية سياساته الممنهجة ضد كافة حقوق الشعب الفلسطينى المشروعة بحماية القانون الدولى، وهى الحقوق غير القابلة للتصرف، وأنه لا أمن واستقرار فى المنطقة إلا بطريق واحد هو حل الدولتين.
كل منصف يتسم بقدر من النزاهة العقلية لن يبذل جهدا لكى ينتهى إلى ما انتهى إليه الخطابان وكل الإفادات العربية: أن الحق فوق القوة، مهما بدت تلك القوة على أرض الواقع غاشمة وعنصرية، ومفتونة بقدرتها على قهر شعب بأكمله وتجويعه ومصادرة أرضه وتهجيره ومنعه من الحق فى الحياة. صمود اسطورى لشعب يجوع وينام فى العراء، ويتمسك حتى الموت بالبقاء على أرضه، وهو ما جعل الرأى العام الحر فى الولايات المتحدة والدول الغربية ينتفض لإدانة إسرائيل والمطالبة بالوقف الفورى للحرب.
ولعل تلك المواقف العربية المتقاربة أن تشكل رافعة لموقف عربى لدول الخليج ومصر والأردن والمغرب للضغط من أجل تشكيل حاضنة فلسطينية مقبولة من الشعب الفلسطينى لبدء حوار جدى مع الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة وهيئة الأمم المتحدة من أجل إقامة الدولة الفلسطينية، الذى يظل الطريق إليها مفروشا بكثير من العقبات، لكن من غير المستحيل أن يذللها الحوار الدائم والمستمر ووحدة فصائل المقاومة الفلسطينية حول كيفية بنائها. ولعله أيضاً يكون مدخلا لجهد عربى مشترك، خليجى بالأساس للحيلولة دون انهيار منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» التى تشكلت بقرار من الجمعية العام للأمم المتحدة عام 1949 لتقديم الخدمات التعليمية والصحية والإقراض للاجئين الفلسطينيين بعد حرب 1948 فى لبنان وسوريا والأردن، لحين حل قضيتهم، وبدأوا بنحو 750 ألف لاجئ، وصاروا الآن أكثر من خمسة ملايين لاجئ داخل فلسطين وخارجها. والحملة الملفقة التى تقودها إسرائيل ضد الأونروا وتتهم موظفيها بالضلوع فى هجوم حماس عليها فى السابع من أكتوبر، سردية كاذبة أخرى لم تثبت حتى اللحظة أى دليل عليها. والهدف واضح هو تهجير ما بقى من الفلسطينيين فى غزة والضفة وتصفية نهائية لحق العودة ولمجمل القضية الفلسطينية. والنجاح العربى فى فتح اكتتاب شعبى ورسمى لتمويل منظمة الأونروا الدولية، هو سلاح بتار لمواجهة الغطرسة الإسرائيلية، وخطوة أخرى على طريق إقامة الدولة الفلسطينية.